ما بين الموصل وشمال حلب، كيف يظهر التواطؤ التركي مع داعش
بداية، ظهرت نقطة التواجد التركي في بعشيقة شرق الموصل كأنها نقطة عسكرية مستقلة، هدفها تدريب مجموعات عراقية من ضمن عشرات المجموعات التي تقاتل داعش، ولم يكن البشمركة حينها – المتعاطفين مع الأتراك على الاقل – معارضين لتمركز هذه الوحدة التركية الخاصة، والتي اعتبروها من ضمن التحالفات الواسعة لمحاربة التنظيم الإرهابي، وان وجودها لن يكون الا مُنتجا و مُكَمِلا لتحقيق هدف محاربة الإرهاب في العراق، خاصة وأنهم صوبوا حينها بأن وضعها ليس مختلفاً كثيراً عن وضع مكونات أخرى أتت من خارج العراق شرقاً أو غربا، لدعم العراقيين في هذه المعركة.
لاحقاً، وبعد تبلور القرار السياسي العراقي نحو تحرير الموصل ومحيطها، بالرغم من التأخير والاعاقة الخارجية لهذا القرار، حيث لعب الاميركيون من جهة والاتراك من جهة اخرى، وبعد أن بدأت الوحدات العسكرية العراقية تتقدم نحو تضييق الخناق والطوق على داعش في الموصل من الشرق والجنوب، وايضا من الغرب باتجاه الحدود مع سوريا، بدأت تظهر اهمية نقطة بعشيقة العسكرية التركية في تأثيرها الحيوي عسكريا وميدانيا وجغرافيا على معركة تحرير الموصل، وبدأ يظهر الدور التركي وعبر هذه النقطة، في اعاقة تقدم الوحدات العراقية ووحدات البشمركة الداعمة لها على ابواب الموصل شرقا، وذلك من خلال السيطرة على النقطة الاكثر استراتيجية في هذه المعركة وحرمان الوحدات العراقية من امتلاكها واستعمالها وبالتالي حرمانها من نقطة ايجابية مهمة، كانت ستشكل لهذه الوحدات نقطة ارتكاز ومراقبة وسيطرة مهمة في هذه المعركة.
كان التبرير التركي لاحتلال هذه النقطة الحيوية، والذي عارضته سياسياً وإعلامياً وديبلوماسياً الدولة العراقية وأغلب مكونانتها، مع تهديدات واسعة بمواجهته عسكرياً بقيت دون تنفيذ، أن هذا التواجد وتحت عنوان محاربة الإرهاب هو أيضاً لحماية أقليات عراقية من أصول تركية من ارتكابات مرتقبة سوف تنفذها بعض المكونات المشتركة في المعركة، وهي قصدت طبعاً الحشد الشعبي العراقي.
هذا أيضاً ما انسحب لاحقاً في غرب العراق على معركة استعادة تلعفر ومحيطها، والتي هدفت منها وحدات الحشد الشعبي إلى قطع التواصل الاستراتيجي لداعش بين الموصل ومحيطها وبين أماكن سيطرته الواسعة شرق سوريا في الرقة ودير الزور، ومع تمكن هذه الوحدات من تضييق الخناق على تلعفر بعد طرد داعش من مطارها، وبعد اقتراب تحقيق هدفها في قطع ترابط داعش في الموصل عن الحدود السورية العراقية، برزت الأصابع التركية في إعاقة هذا التقدم، وذلك من خلال التهديد بالتدخل لحماية أقليات قريبة منها، ومن خلال الضغط عبر دفع وحدات عسكرية تركية وتحشيدها نحو داخل الحدود مع العراق شمال سنجار وتلعفر، وأيضاً من خلال حصول داعش من مصدر سريع وقريب وغريب، على طائرات دون طيار، واستعمالها بشكل مفاجىء ومكثف بطرق متعددة، منها الرصد الجوي ومراقبة تحرك الوحدات العراقية، أو إطلاق صواريخ موجهة مضادة للآليات، أو رماية قذائف مدفعية دقيقة الإصابة على وحدات الحشد الشعبي المتقدمة، وبذلك تلعب حالياً هذه الطائرات الدور الأساس والوحيد تقريباً من الناحية العسكرية في تأخير اكتمال تنفيذ هدف الحشد الشعبي في تلك المعركة الاستراتيجية شمال غرب العراق.
هذا في العراق، أما في سوريا، فتركيا أيضاً لم تكن بعيدة عن حماية داعش في أغلب معاركه حتى الآن بمواجهة الأكراد والفصائل المسلحة الأخرى، وفي رعايتها لسيطرته السابقة على الشريط الحدودي ما بين جرابلس وأعزاز لفترة طويلة بتسهيل وتواطؤ منها، بحيث وهبته منفذاً حدودياً واسعاً، شكل له الشريان الأساس في إدخال المقاتلين والأسلحة والتجهيزات الغربية المتطورة، وأيضاً اشتركت وساهمت معه من خلال هذا الشريان الحيوي عبر أراضيها وموانئها في بيع النفط السوري والعراقي المسروق، وتأمينه لموارد مالية مهمة كانت أساسية في معركته.
من ناحية أخرى، تظهر تركيا حالياً أمام المجتمع الدولي والإقليمي وكأنها رأس الحربة في محاربة داعش في الشمال والشمال الشرقي السوري، ولكن من خلال تحليل علمي ميداني دقيق لأغلب معارك السيطرة على التنظيم وطرده من تلك المناطق، يظهر التواطؤ بين الاثنين وذلك عبر معارك وهمية أقرب لتمثيلية ولعملية تسلم تسليم بين مجموعاتها المسلحة تحت اسم درع الفرات وبين وحدات داعش، خاصة في جرابلس وفي دابق، حيث انخرط أغلب عناصر الأخيرة بوحدات درع الفرات هذه، بعد خلعهم ثياب التنظيم وحلق لحاهم والتطوع للتقدم مع هذه الوحدات نحو تنفيذ مسرحية أخرى في موقع آخر من مواقع داعش، وكل ذلك من ضمن هدف خفي محدد وحيد، ألا وهو سباق الجيش العربي السوري أو الوحدات الكردية للسيطرة على أماكن انسحاب التنظيم الإرهابي في هذه المسرحية، الأميركية العنوان والتركية الإخراج والداعشية التنفيذ.
إنه نفسه النفاق الأميركي والكذب والغطرسة التركية، من خلال خلق ورعاية الإرهاب وتسهيل تمدده وانتشاره من جهة، واستغلاله لتنفيذ مخططات ومشاريع مجرمة من جهة أخرى، في تفتيت الدول وتقسيمها وتبديد وسرقة ثرواتها، دون الأخذ بعين الاعتبار لأي مبدأ من مبادىء القانون الدولي أو حقوق الإنسان أو سيادة الدول، وكل ذلك تحت عنوان واسع وخبيث اسمه “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”.
* شارل أبي نادر – العهد
#مجزرة_سوفتيل