الزلزال الأميركي: مجرد بداية لانفجار أزمة النظام؟
الفوز الذي حققه دونالد ترامب على هيلاري كلينتون لتبوؤ رئاسة “اقوى دولة على وجه الأرض” (التعبير أميركي يستند الى توفر القوة العسكرية النووية الساحقة للولايات المتحدة) كان مفاجئاً حتى للعديد ممن توقعوه:
– كان انتصاراً بفارق كبير عن كلينتون، برغم توقعات معاكسة وردت في استطلاعات الرأي الكثيرة.
– كان انتصاراً سريعاً، أي من دون وقوع نزاع او جدال قضائي او شعبي، بخلاف ما حصل بين آل غور وجورج بوش الابن عام 2000.
– فور الإعلان عن فوزه، خلع ترامب نبرته الصدامية والهجومية التي اعتمدها
في الحملة الانتخابية، وسارع الى إلقاء خطاب هادئ تخلله وعدٌ بالعمل على تجاوز الانقسام وتوحيد الأميركيين.
لكن “الزالزال السياسي” فعل فعله لدى من ناموا او سهروا على توقع فوز كلينتون، ووسائل الإعلام الأميركية او حتى الأوروبية وبعض العربية لم تستطع بعد تجاوز الصدمة. ولقد كشف هذا الحدث مجموعة نتائج- حقائق:
– تعرضت “صناعة” استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة لضربة قاسية، بعدما أخفقت ليس في توقع فوز ترامب فحسب، بل انها روجت على مدى أسابيع ان هيلاري كلينتون ستحقق فوزاً سهلاً على منافسها، بخاصة بعد تفجير قضية شريط الفيديو الذي تضمن إهانة كبيرة للنساء، وحينها بدأ بعض قادة الحزب الجمهوري بالانفضاض من حول ترامب. ويتبين مرة أخرى، بعد تجربة انتخابات بريطانيا، ان استطلاعات الرأي تفتقر الى الصدقية والنزاهة، وهي تخدم غالباً الممولين الذين يريدون التأثير على الناس المترددين والمستقلين خصوصا.
– الولايات المتحدة تعيش مخاضاً صعباً لا يمكن التكهن بنهايته. هناك أزمة اقتصادية (بطالة مرتفعة، اغلاق مصانع، مديونية عالية جدا، …) وأزمة هوية عبّر عنها النقاش الانتخابي حول المهاجرين وإغلاق الحدود، كما تعبّر عنها الصدامات وعمليات القتل بين المواطنين السود ورجال الشرطة البيض. وهناك أزمة قيادة وتراجع للدور الاميركي على المستوى الدولي، الى حد ان العديد من الدول ( وآخرها الفيليبين) تتجرأ على تحدي الولايات المتحدة دون ان تخشى العقاب والعقوبات.
– من الواضح ان هناك مناخاً عالمياً، لا سيما في الغرب، يتجه نحو اليمينية الشوفينية، في ضوء تراكم الأزمات الاقتصادية والهويّاتية الحضارية والقومية. والأزمات هي بيئة مثلى لإنتاج قادة متطرفين او مصلحين على حد سواء. ويبدو ان إعادة الاعتبار للبيض لحكم اميركا ستستهلك قدراً من النقاش الداخلي في الفترة المقبلة، بعد ثماني سنوات على حكم اول رجل اسود في تاريخ بلدٍ قام على العنصرية والتمييز (هل كان انتخاب ترامب رداً مباشراً او غير مباشر على حكم اوباما؟).
-اعتادت أميركا كل عقدين على مرور رئيس يتسم بقدر من الجنون السياسي ( من رونالد ريغان صاحب نظرية حرب النجوم التي تضمنت تكاليف ضخمة للتسلح في الفضاء، الى جورج بوش الابن الذي تمنطق بالحرب على الارهاب وادعى حمل رسالة من الله لـ”هداية” البشرية الى الديمقراطية، والآن الى ترامب الذي يبشر بتخليص البلاد من “الطبقة السياسية الفاسدة في واشنطن” ومن المهاجرين!).
– من الواضح ايضا في ضوء المشاكل الضخمة التي تعانيها أميركا ان شريحة واسعة من الناخبين فيها بدأت تملّ من الطبقة السياسية التي يختلف أركانها في الوجوه وفي بعض التوجهات، لكنهم يتشابهون في العمل لحساب أصحاب المصالح المالية، ولهذا كان التصويت لترامب احتجاجياً في بعض المواقع، أكثر منه اقتناعاً بأفكار ترامب.
– يبدو ان أولويات ترامب ستتركز على إعادة ترتيب بعض الملفات الاقتصادية والسياسية. لكن عهده قد يكون حافلاً بالمشاكل مع أعمدة النظام التقليدي من السياسيين ووسائل الإعلام، وهو يعتقد انهم متآمرون يريدون تهميشه وتهميش ناخبيه.
بناءً على ذلك، قد نكون أمام مفاجأة او مفاجآت اميركية في المرحلة المقبلة. لا بد أن نتذكر انه في مرحلة الانتخابات التمهيدية، تمكن ترامب من فرض نفسه مرشحاً على قيادة الحزب الجمهوري التي لم تكن مقتنعة به في البداية، بسبب شخصيته الغريبة وخطاباته المتهورة ومجيئه من خارج النادي السياسي التقليدي. وهي بعد ان لاحظت ان مؤيدي الحزب ينساقون الى هذا الرجل، قررت ان تعطي هذا “الفرس الجامح” فرصة للسباق مع مرشحي الحزب الآخرين. وبعدما تغلب على مرشحي الحزب، قررت – بحكم الأمر الواقع- تبني ترشيحه. لكن نظرية ما تقول ان الحزب العريق ودُهاته يمكن ان يتحكموا بمسار الامور من خلال نائب الرئيس مايك بنس، وفي هذه الحالة سيلعب ترامب دور صاروخ حامل للقمر الصناعي: الصاروخ سينفجر في الفضاء عند بلوغه المدار الخارجي، والقمر سيتحرك في مساره المرسوم!
وعليه، عند اول صدام بين ترامب والسياسيين في واشنطن، قد يبدأ مسلسل عزل ترامب بفضيحة او اغتيال سياسي او جسدي، ليتولى بنس الرئاسة بدلاً عنه. التاريخ السياسي الأميركي حافل بالمؤامرات على الرؤساء الذين لا يمشون في المسار المرسوم. وترامب قد لا يكون استثناءً. لكن ذلك قد لا ينتشل النظام الرأسمالي الأميركي من أزمة محققة تبدو في الأفق القريب او المتوسط.