إسرائيل والسعودية: إخوة تمثيل الوليّ
فحينما يتوجه ــ ما يوصف بأكبر مسؤول عن السياسة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط ــ روبرت مالي لمخاوف وقلق «الحلفاء» تكون السعودية وإسرائيل أشبه بتوأم سيامي لا تذكر إحداهما إلا وتلحق بالأخرى.
هذه المخاوف ما لبثت أن تحوّلت إلى عمل مشترك جدي عانق فيه عتاة صهاينة واشنطن غلمان مؤسسة السياسة الخارجية السعودية المحدّثة مع تولي المترجم ــ سابقاً عادل الجبير وزارة الخارجية (لا يزال يتكفل بالترجمة خلف ما تيسّر من الأثات إن حضر «معزّبوه» من آل سعود). الحقيقة أن السعودية حديثة العهد على مثل هذا الدور، فهي لم تحتج إلى التدخل بشكل فعال بنفسها لمواجهة تحديات «حماية نفسها» ضد ما تراه تهديداً إيرانياً في الإقليم. حينما كان وزير الاستخبارات الأسبق تركي الفيصل يتدرج من المشاركة في لقاء بحضور شخصيات صهيونية، إلى مصافحتها، ثم الاجتماع معها، كانت «المراكز البحثية» الصهيونية تنسج العلاقات مع الشخصيات السعودية المرتبطة بوزارة الخارجية. في الأيام الماضية، قامت مؤسسة «متحدون ضد إيران نووية» بإقامة مؤتمر على مدى يومٍ كامل لتخويف الشركات الغربية من الاستثمار في إيران، وشاركت فيه وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي ليفني مع إحدى شيخات آل خليفة، والسفير الإماراتي يوسف العتيبة، وسعودي من العاملين في السفارة السعودية في بريطانيا والزميل في مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية. لا تخجل الصحف السعودية التي تحوز ما يقارب الصفر من الاستقلالية عن المؤسسة الحاكمة، من ترجمة مقال دعائي ضد إيران من مدير المركز نفسه والسفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، مارك والاس بعدها بأيام. أصبح تبني الدعاية الصهيونية ونشرها والعمل مع القائمين عليها أمراً روتينياً في الصحافة السعودية.
لكن يحرص آل سعود على استخدام أدوات شبه رسمية وليست رسمية في الاتصالات العلنية بالإسرائيليين، ورأسا حربة هذا المجهود هما وزير الاستخبارات الأسبق تركي الفيصل، والعميد المتقاعد أنور عشقي. كأن التدرج في حميمية لقاءات الفيصل بالإسرائيليين رسم بياني موجه للجمهور يعبّر عن التسارع في التنسيق بين الشقيقتين، فمن «مناظرة» بين ابن الملك فيصل والجنرال المتقاعد والرئيس السابق لاستخبارات الجيش الإسرائيلي اموس يادلن في مايو/ أيار ٢٠١٤، إلى مقابلة مع صحيفة «هآرتز» في نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٥، إلى مصافحة مع وزير الحرب الصهيوني موشي يعلون في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير/ شباط ٢٠١٦ (كنا حابسي الأنفاس ونحن ننتظر هذا الحدث المفاجئ). أنور عشقي ليس بعيداً عن هذا التدرج، وإن كان له السبق في العلن. أول لقاء علني ظهر فيه كان في بداية حزيران ٢٠١٥ في مجلس العلاقات الخارجية حيث شارك في ندوة مع السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة غوري غولد، وغولد هذا يوصف من صحيفة «وول ستريت جورنال» بأنه «يقود جهوداً لتحسين علاقات إسرائيل وإصلاحها في المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني». وبهذا كان الخطاب واحداً: إيران وخطرها على الشرق الأوسط. صحافي موقع «بلومبرغ» إيلي ليك ذكر في تقرير له بعد الندوة أن المسؤولين الإسرائيليين والسعوديين عقدوا خمسة لقاءات ثنائية سرية منذ مطلع عام ٢٠١٤، كلها لمناقشة الخطر المشترك: إيران.
آخر خطوة «جريئة» لعشقي كانت قيادته وفداً سعودياً يضم أكاديميين ورجال أعمال بارزين لزيارة الأراضي المحتلة واللقاء بمسؤولين إسرائيليين، بينهم المدير العام لوزارة الخارجية وأعضاء في الكنسيت، على الرغم من أن المواطنين السعوديين ممنوعون نظامياً من زيارة فلسطين المحتلة. لكن ذلك، طبعاً، لم يمنع الزيارة. هل يمكن أن يقوم هؤلاء الأشخاص أنفسهم بزيارةٍ مثل هذه لمسؤولين إيرانيين مثلاً، أو حتى لدولة أو جهة في محور المقاومة، أو حتى دولة أزعجت السعودية ببرنامج تلفزيوني؟ جلي من هو الصديق ومن هو العدو عند آل سعود.
لكنّ هناك أمراً جللاً غاب عن رادار الصحافة العربية، وهو ربما يفوق أهمية الاتصالات التي تحدث فوق الطاولة وتحتها. وأكثر دلالة، هو الاشتراك السعودي الفعلي في توقيع اتفاقية كامب ديفيد. أثناء زيارة سلمان بن عبد العزيز لمصر في أبريل/ نيسان الفائت، أعلنت الحكومة المصرية نقل السيادة في جزيرتي تيران وصنافر الواقعتين بالقرب من خليج العقبة إلى السعودية، فيما تم تظهيره على أنه حصيلة مفاوضات امتدت ست سنوات حول ترسيم الحدود الرسمية بين البلدين (المحكمة الإدارية العليا المصرية ألغت مفعول القرار في شهر أغسطس/ آب الماضي). الحقائق التاريخية تقول إنّ السعودية سمحت لمصر باستخدام الجزيرتين عام ١٩٥٠ خوفاً من السيطرة الإسرائيلية عليها. لكن أهمية ما حدث هو بعيد في مكان آخر. الجزيرتان هما جزء من اتفاقية كامب ديفيد ضمن المنطقة ج، حيث تمنع المادة الرابعة من الملحق الأول أيّ وجود عسكري مصري وتنص على وجود قوات متعددة الجنسية بقيادة أميركية على الجزيرتين تضمن حرية الملاحة والوصول الى ميناء إيلات. عادل الجبير كان واضحاً في طمأنة إسرائيل علناً بأن «المملكة ستلتزم بالاتفاقية والالتزامات التي قبلتها مصر في ما يتعلق بهاتين الجزيرتين». صحيفة «هآرتز» نقلت أن نتنياهو أخبر مسبقاً بالعملية ولم يكن عنده أي اعتراض. وزير الدفاع يعلون أعلن أن إسرائيل «باركت» إعادة الجزيرتين إلى السعودية، وذهب إلى أبعد من ذلك: السعودية وافقت على ضمان حرية النقل لكل الأطراف، وإسرائيل وافقت على بناء الجسر الذي سيوصل الأراضي المصرية بالسعودية، وأن نقل الملكية استوجب إعادة فتح الملحق الأول للاتفاقية. السعودية تقر باتفاقية كامب ديفيد رسمياً من دون ضجيج.
كبار المسؤولين الإسرائيليين هم أقل حرجاً بالتأكيد، وخصوصا أن لهم مصلحة في الظهور بأنه ليس لديهم مشاكل مع «العرب» في الوقت الذي يحتلون فيه أراضيهم ويبيدون الفلسطينيين، ويزرعون الفتنة بينهم. هم بالتأكيد ليس لديهم مشكلة مع ممالك ومشيخات الخليج (وبقية النظام الرسمي العربي) وهي تنبطح لأميركا. التصريحات التي تبشر بارتفاع مستوى العلاقة مع دول الخليج أصبحت طقساً أسبوعياً لنتنياهو وطاقمه من صغيرهم إلى كبيرهم. يعلون في المؤتمر الذي صافح فيه الفيصل مهّد له بالتصريح بإن إسرائيل لديها قنوات اتصال ليس فقط مع مصر والأردن، بل حتى مع دول الخليج وشمال أفريقيا. نتنياهو أمام المنظمات الأميركية اليهودية الرئيسية قال إن أغلب «الدول السنية» تعتبر إسرائيل حليفاً لا عدواً. بعدها نقل حسابه على تويتر باللغة العربية أن «ما يجري حالياً بيننا وبين الدول العربية يبعث على الكثير من الأمل». حديث أفصح أكثر جاء من فريد زكريا، مذيع قناة «سي إن إن»، مفاده أن تل أبيب لا ترى في السعودية عدواً، بل حليفاً بسبب الأخطار المشتركة المتمثلة في «إيران وداعش» (المساواة بين حركات المقاومة وداعميها وداعش هي استراتيجية إسرائيلية رسمية لاستغلال «الستيغما» المحيطة بالإرهاب من أجل شيطنة حركات المقاومة).
نتنياهو ويعلون يعلمان أنّ التصريح بهذا الوضوح يزعج الدول الخليجية، فهي تفضّل أن تكون علاقاتها تحت الطاولة، لكنهما يعلمان أيضاً أنها لا تستطيع أن تنفي بأنهما في السرير نفسه. يادلن مثلاً صرح لقناة «فرانس ٢٤» في نهاية شهر حزيران بأن المسؤولين الإسرائيليين والسعوديين يلتقون «تحت الرادار» وأن «الاتصالات من الممكن الآن أن تكون أكثر رسمية لأنهم يواجهون عدواً مشتركاً هو إيران». وعلى خطى العلاقة الإسرائيلية الأميركية العابرة للحزبين تكون العلاقة الإسرائيلية السعودية. تتفق الحكومة والمعارضة على وجوب تنمية التقارب بين الطرفين. تسيبي ليفني، وهي عضو الكنيست وعضو في لجنتين مهمتين؛ إحداهما لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، في تصريح للقناة العاشرة قالت إن إسرائيل «يجب أن تعمل مع السعوية ضد حزب الله والأخطار الأخرى». وكبقية «المفاوضين العرب»، لم يفوّت تركي الفيصل فرصة مغازلة الوزيرة السابقة في مؤتمر ميونيخ فهو «يفهم لمَ اختِيرَت لتكون المفاوضة عن إسرائيل». لا حاجة طبعاً إلى ذكر ردها، فالصورة اتضحت.
السياسة الخارجية التدخلية السعودية بعد الاتفاق النووي وعدم التدخل العسكري الأميركي المباشر ضد الدولة السورية بعد حادثة الهجوم الكيماوي كانت محل ترحيب لدى المسؤولين الإسرائيليين والكتاب والباحثين الصهاينة. لا شك أن الانكفاء الإسرائيلي النسبي إقليمياً بعد هزيمة حرب تموز لعب دوراً في ذلك. في مؤتمر هرتسيليا للأمن الدولي الأخير، وهو الملتقى السنوي المهم لتقويم وضع الكيان الصهيوني أمنياً على المستوى الدولي، أسبغ الرئيس العام الحالي لاستخبارات الجيش هيرزي هاليفي المديح لسلمان بن عبد العزيز. يقول: «هذه ليست السعودية نفسها التي رأيناها قبل عام ونصف عام. هذا ملك مختلف ويحوز شبكة دعم تحيط به. السعودية فاعلة بشكل أكبر بكثير وتطمح إلى قيادة المخيم السني في الشرق الأوسط. هي على الأرجح الدولة التي اتخذت أقوى موقف في وجه إيران في الشرق الأوسط. توجد ظاهرة مثيرة هنا: بعض هذه الدول السنية في طور الاقتراب من مصالحنا، هذا أمر مهم. توجد فرصة هنا». هاليفي يستوعب هذه الديناميكية جيداً: عندما تشعر السعودية بأن وليها المشترك مع إسرائيل هو أقل قابلية للاعتماد عليه، فإن درجة علاقتها وتنسيقها بإسرائيل سترتفع، وهو أمر ترحب واشنطن به بلا أدنى شك، فلا أحلى من أن ترى أطفالك يكبرون ويتفاهمون.
وعلى قدر العدوانية والوحشية، يكون الإعجاب الإسرائيلي. الحرب السعودية التي قادتها ضد اليمن باسم الدفاع عن شرعية الرئيس المنتهي ولايته عبد ربه منصور هادي وجدت الموافقة والتأييد من أعلى الهرم في المؤسسة الصهيونية الحاكمة. المصلحة الإسرائيلية المباشرة في اليمن تكمن في ضمان حرية الملاحة في باب المندب حيث إنها تقود إلى ميناء إيلات، وعلى هذا كان يتركز نظرها بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، لكن مشكلتها في أن نفوذها المباشر في اليمن غير موجود، لكن إمكانية التعاون مع الدول الأفريقية في الضفة الشرقية من البحر الأحمر ودول الخليج كانت موجودة وتزيد وتيرتها. لهذا، لم يحتج نتنياهو سوى إلى يومين ليقول «بعد محور بيروت ــ دمشق ــ بغداد، إن إيران تقوم بحركة كَكَمّاشة لإِحكام السيطرةِ واحتلالِ كلِّ الشرق الأوسط عن طريق الجنوب. محور إيران ــ لوزان ــ اليمن خطرٌ على البشرية ويجب أن يُوقف. هذا الأمر يُرى بحق من جميع الدول في الشرق الأوسط على أنه تحرك إيراني استراتيجي للهيمنة على المنطقة، وعلى هذا فإننا نشهد شيئاً غير مسبوق [من السعودية]».
لو لم يُذكر اسم نتنياهو لظن القراء بحق أنهم يقرأون تصريحاً لأميرٍ سعودي أو أحد الكتّاب العاملين لديه في إحدى الصُحُف. هو الفكر نفسه الذي يستحيل عليه فهم كيف تكون سيداً لنفسك. عدسات آل سعود لا ترى في الناس إلا عبيداً يُشترون بأموال النفط ودمى تتحكم فيها القوى. هو الفكر الذي يظن أن قطع الإمداد عن حركة وطنية كأنصار الله لم تحتج من الدعم إلا لماماً لتعيد قرار بلدها لشعبه وتطرد نفوذ آل سعود ومن ورائه النفوذ الأميركي شر طردة، سيطفئ هذه الحركة نهائياً. الوقت وحده كفيلٌ بإفهامهم أن إفلاسهم أقرب بكثير من صنعاء.
في هذا السياق، لا عجب أن أقدر الخبراء العسكريين على تقويم الأداء العسكري السعودي في العدوان الهمجي البربري على اليمن هم الصهاينة في معهد الشرق الأوسط لسياسة الشرق الأدنى، وخصوصاً في ظل شح المعلومات المتوفرة عن الحرب بسبب سطوة النفط والغاز على الإعلام السائد والمشاركة الغربية المباشرة في العدوان، مقارنة بالكم الهائل من المتابعة التي «تحظى» بها الحرب في سوريا. لاحظ مثلاً التطابق التام بين أسلوب العدوان الصهيوني على لبنان من خلال الحصار الجوي والبحري والقصف الهمجي والعدوان السعودي على لبنان. هو التصميم الإمبريالي نفسه. الطائرات الأميركية الصنع التي ألقت القنابل العنقودية على قرى النبطية والبقاع والجنوب هي نفسها تلقي مثيلاتها على قرى صعدة والجوف ومأرب. الخبراء العسكريون الذين حددوا الأهداف في لبنان هم أنفسهم من يحددونها في اليمن. دليل تبييض سجل إسرائيل عن المجازر في حملات حرق غزة، حيث يشكل المجرم لجنة تبرئ نفسه، هو ذاته الذي يمرر لآل سعود. شركات العلاقات العامة التي تدوّر الحجج عن الدروع البشرية واستخدام المدارس لتخزين السلاح هي نفسها. هي الجريمة نفسها والمجرم ذاته.
الطريف أنّ أحد أمراء آل سعود المأخوذين بالأحضان من صهاينة المراكز البحثية في واشنطن، حاول أن يقلل من حجم إذلال المقاتلين اليمنيين للقوات السعودية على حدود نجران وعسير وجيزان، مع معداتهم ومدرعاتهم الأميركية الصنع (التي تم التلميح والتقليل من حجم خسائرها في صفقة الـ ١٥٠ دبابة أبرامز، والتي رفض مجلس الشيوخ التصويت على رفضها قبل أيام في ٢٣ سبتمبر ٢٠١٦)، بمقارنتها بالخسائر الإسرائيلية في الهجوم البري في نهاية حرب تموز ٢٠٠٦ وإذلال الميركافا في وادي الحجير. التعجب العفوي سرعان ما يتحول إلى تفهم لمنطق المقارنة. فهل نتوقع أن تقارن الأداء السعودي الكارثي بتجربة الجيش الكوري الشمالي مثلاً؟
أما الكتّاب الصهاينة فهم غالباً ما يردون التحية بأفضل منها، إذ إنهم يتبرعون بالدفاع عن السعودية حين تهاجمها الصحافة الغربية (ضروري أن ننبه الى أن الانتقادات الصادرة من الصحافة الغربية لا تعدو كونها محاولةً لنقل اللوم من أميركا إلى الحليف المشاكس، مبرئةً ساحة الدول الغربية كأن دولاً ودويلات كالسعودية وقطر قادرة على اتخاذ أي موقف سياسي ذي دلالة على المستوى الدولي من دون تعليمات أميركية) والتذكير بأن لا ينسى الغرب إيران فهي أكثر شراً وإرهاباً. عند كل خطوة سعودية «حازمة» في لبنان وسوريا واليمن، يتبرع اليمين الصهيوني لمعاتبة الإدارة الأميركية بأن «تقاربها» مع إيران أشْعَرَ السعودية بالخطر وأن عليها معالجة المخاوف السعودية عن النفوذ الإيراني. حساب مؤسسة «ضد إيران نووية» يتكفل بالرد على تصريحات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف (وهو من جناح موهوم بأن الرأي العام الغربي قابل للتأثير عليه، بما يُحدث تأثيراً على مستوى السياسة الخارجية، واختياره للصحيفة يشي بأنه لا يفهم أن الوهابية لم تكن لتكون بهذا المستوى التدميري لولا التبني الإمبريالي البريطاني الأميركي لها واستخدامها كسلاح في مواجهة أعدائها من الاتحاد السوفياتي سابقاً إلى محور المقاومة الآن في سوريا) على الهواء مباشرة ومن دون تأخير. يتسابق الكتّاب الإسرائيليون والأميركيون الصهاينة بالرد على مقالات جواد ظريف في «نيويورك تايمز» دفاعاً عن الشقيقة السعودية.
ولئن أظهرت هذه القضية مخاوف مشتركة حول قضية معينة إلى العلن أكثر وزادت من مستوى التنسيق، فهي فرصة أيضاً لفهم هذه العلاقة بينهما. يركز الإعلام في جبهة الممانعة حول ما يظهر من الاتصالات بين المسؤولين الرسميين وغير الرسميين السعوديين ونظرائهم في الجانب الصهيوني كما يحدث الآن. لكن هذا التركيز يغفل حقيقة العلاقة التي تجعل من هذه الاتصالات مجرد عرض حيث إنها تحالف ضمني بحكم تمثيلهما للوليّ السياسي نفسه. هما طرفان على المستوى الأفقي نفسه مرتبط كلاهما بأميركا في علاقة زبون وراعٍ. مستوى التنسيق بين هذين الزبونين محكوم بشعورهما بدرجة التزام راعيهما بحمايتهما. هنا يصبح التنسيق والاتصال مجرد لازمة لحقيقة اشتراكهم في تمثيل أميركا، وفي هذا يكمن سر اشتراكهم في تحديد الأعداء والأصدقاء نفسه.
في مقابلة يادلن مع قناة «فرانس ٢٤»، عندما سئل عن صحة تصريح المتحدث باسم البرلمان الإيراني علي لاريجاني أن السعودية وإسرائيل تعاونتا وقدمت الأخيرة للأولى معلومات استخبارية استراتيجية في حرب تموز، أجاب بـ«أن قوى عديدة في العالم أرادت أن تكون إسرائيل شرسة مع حزب الله، وليس السعودية فقط […] لذلك فإن دعم السعودية لإلحاق الهزيمة بحزب الله ليس مفاجئاً». هذا قبل الاتفاق النووي وقبل مجيء أوباما، أعداء إسرائيل كانوا ولا يزالون أعداءً للسعودية.
مخاوف السعودية وإسرائيل من التزام وليّهما المشترك بحمايتهما ــ بمعزل عن صحته ــ حوّلت تحالفهما الضمني إلى تحالف صريح. ما كان يخجل منه آل سعود أصبحوا يجاهرون به شيئاً فشيئاً. أما علاقات القوة الناعمة فأصبحت العيش والملح لأمراء آل سعود وكتّابهم وباحثيهم ومثقفيهم. ما قاله جمال عبد الناصر قبل خمسين سنة يصحّ في ٢٠١٦: من هو حليف لأميركا وبريطانيا، بالتأكيد لن يكون قادراً على أن يحارب من أجل فلسطين.