منذ أن أعلنت السعودية في إبريل الماضي عن خطة التحول الاقتصادي والتنمية بعيدة المدى المعروفة بـ«رؤية 2030»، والتي تصدرها كمخطط ومنفذ ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ويشكك كثير من المحللين المعنيين بالشأن السعودي في نجاعتها نظراً للخلل المزمن في البنية الاقتصادية السعودية، والمتمثلة بشكل رئيسي في أن المملكة ذات اقتصاد ريعي قائم على استخراج وبيع النفط، الذي تبلغ نسبته 90% من مجمل الدخل القومي هناك، وكذلك كون الرؤية التي طرحها بن سلمان أتت في سياق إعلامي أكثر من كونه سياق تطور اقتصادي ملموس في وقت تعاني فيه الرياض من عثرات اقتصادية ومالية متتالية مرتبطة بنمط الاستهلاك والمصروفات التي تفوق الدخل القومي، لتصل عجز ميزانية المملكة في العاميين الأخيرين إلى ما يتجاوز 180 مليار دولار، ناهيك عن تغول مشتريات الأسلحة السعودية وفاتورة حروبها في اليمن وسوريا.
من ضمن هؤلاء المحللين الذين توقعوا السابق كان الباحث والخبير السياسي ومدير برنامج الطاقة وسياسات دول الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمختص بالشأن السعودي، سايمون هندرسون،إ الذي قال في مقال له في مايو الماضي “الأسواق المالية الآن ستبحث عن أي تغيير في سياسة النفط السعودية، الموضوعة تحت ضغط هائل في العامين الماضيين والذين شهدوا انهيار الأسعار وتشبث المملكة بحصتها في السوق من أجل تقويض منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فعلى الرغم من تكبد هؤلاء المنتجين خسائر تجارية، إلا أنهم لم يوقفوا أعمالهم، كما تعافت الأسعار بعض الشيء من أدنى مستوى وصلت إليه والذي تراوح ما بين 20-30 دولار للبرميل الواحد. ومن خلال تعيين فالح وزيراً للطاقة، فبإمكان محمد بن سلمان أن يضع الآن استهداف إيران نصب عينيه، والتقليل من قدرتها على الاستفادة من عائدات النفط الإضافية بعد رفع العقوبات. وكان محمد بن سلمان قد قام بإذلال النعيمي في اجتماع منتجي النفط في قطر الشهر الماضي، من خلال عدم قبول الأمير لاتفاق في اللحظة الأخيرة بشأن تجميد الإنتاج بسبب عدم إخلال إيران فيه”.
وفي سياق متصل رأى هندرسون في مقال اَخر له حول تطور العلاقات السعودية -الإسرائيلية أن التعاون المتصاعد بين الدولتين في السنوات الأخيرة قد يتجاوز حدود التعاون السياسي إلى آفاق التعاون الاقتصادي وخاصة أن كل من الرياض وتل أبيب قد وصلا إلى مرحلة يروا فيها ضرورة توسيع العلاقات بشكل علني وشامل، وأن التكامل الاقتصادي فيما بينهما سيشكل قاعدة ثابتة لما هو حادث بالفعل من تعاون سياسي، وإلا سيكون الأمر بينهما أشبه بسنوات “السلام البارد” بين القاهرة وتل أبيب عقب معاهدة السلام 1979م والتي ماطلت الأولى في تطويرها إلى تعاون اقتصادي حتى مطلع الألفينيات وبشكل محدود سرعان ما تطور إلى علاقات اقتصادية مشتركة في سوق الطاقة والغاز الطبيبعي.
وبالفعل لم يخب توقع هندرسون حيث بدأت دعوات سعودية في تطوير العلاقات السعودية -الإسرائيلية من بوابة الاقتصاد للدرجة التي جعلت البعض يتحدث عن إشراك إسرائيل في «رؤية 2030» السعودية، مثلما دعاسلمان الأنصاري، رئيس لجنة العلاقات الأميركية-السعودية «سيراك»، المقابل السعودي للوبي اليهودي في الولايات المتحدة «الإيباك»، الذي دعا في مقال له إلى “تحالفً تعاونيً مع إسرائيل، وعدم تفويت الفرصة التاريخية لتشكيل علاقات دائمة وتعزيز السلام والازدهار (..) إسرائيل تمتلك موقعاً فريداً يسمح لها بمساعدة جارتها في التنمية الاقتصادية للسنوات المقبلة، فإسرائيل دولة رائدة في التعدين، وكذلك في صناعة هندسة المياه، وهما مسألتان مهمتان جداً للمملكة”.
وأشار الأنصاري إلى الجانب المشترك في النواحي الأمنية بين تل أبيب والرياض وعدائهم المشترك لكل من إيران وحركات المقاومة واَخرها التلاقي في تجريم حزب الله اللبناني بعد أن استصدرت السعودية قراراً من الجامعة العربية باعتباره تنظيماً إرهابيا، قائلاً “المملكة السعودية وإسرائيل توجهان تهديدات مستمرة من جماعات متطرفة، تتلقى دعماً مباشراً من الحكومة الشمولية في إيران… إسرائيل والسعودية قادرتان على أن تشكلا العمودين التوأمين الجديدين للاستقرار في المنطقة، ومعاً سيكون بإمكانهما تعزيز السلام والتنمية في الشرق الأوسط”.
وتابع الأنصاري “في الواقع، هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن وجود عدو مشترك المتمثل في إيران سيساعد على تسريع أي نوع من التقارب بين ما يعتبران من أقوى دول منطقة الشرق الأوسط (السعودية وإسرائيل)، وقد يكون ذلك صحيحًا نسبيًا، ولكن الحقيقة الأهم تتمثل في فرصة تأسيس علاقة أكثر متانة عن طريق إقامة علاقة عميقة الجذور بين البلدين والتي تتشكل في سياق شراكة اقتصادية مفيدة للطرفين”.
وأضاف “للتوضيح، فإن العرب واليهود كانوا، تاريخياً، من أقوى الشركاء في مجالات التجارة والثقافة والشراكة الأمنية، وكانوا في تعايش سلمي نسبي لعدة قرون، سواءً كانت في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا أو حتى إسبانيا (..) عندما نتحدث عن التاريخ الحديث، فمن المعروف أن المملكة العربية السعودية وإسرائيل التزما بسياسات خارجية عقلانية ومتوازنة على مدى السنوات السبعين الماضية، فلا أحد منهما سعى إلى أي أعمال استفزازية أو عدائية ضد بعضهما البعض، بل في المملكة مئات اليهود القادمين من شتى العالم يقومون بأعمال تفيد الاقتصاد السعودي ويساهمون في المشاريع المالية والبنية التحتية والطاقة”.
وفي إشارة إلى تكامل رؤية قادة الدولتين في مسألة التعاون الاستراتيجي بينهما مستقبلاً قال الأنصاري “يعتبر كثيرون أن مهندس هذا التغيير هو نائب ولي العهد محمد بن سلمان، وهو شخصية برجماتية ومنفتحة، مستعد لنسج علاقات حقيقية ودائمة مع إسرائيل، التاريخ يشهد على حسن العلاقة بين الجانبين؛ فمن المعروف أن كلاً من إسرائيل والمملكة قادتا سياسة خارجية موزونة وعقلانية”.
وبشكل عام فإنه ليس من الغريب اعتبار دعوة الأنصاري في هذا التوقيت لمثل هذه المسألة الحساسة من ضمن خطوات التمهيد لإعلان تجذير علاقة المملكة العربية السعودية بإسرائيل على نحو شامل وعلني سواء، خاصة وأن هذه الدعوات تأتي في سياق أزمات سياسية داخلية وخارجية تعاني منها المملكة التي لا تجد طرفا إقليميا متوافقا تماماً معها سوى إسرائيل، وهو ما لن يقف في حساباتهم عند حد التعاون المشترك ضد طرف ثالث حسب أبجديات التحالف السياسي، ولكنه سيصل إلى تعاون استراتيجي على المستوى البعيد يربط مصير الدولتين ببعضهما البعض.