الجيش السوري يتقدم في ثلاث جبهات
ولا تشبه هذه التضاريس المعقدة والشائكة إلا الأوضاع التي وصلت إليها الجماعات المسلحة منذ التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، حيث هبوط المعنويات وارتفاع وتيرة الدعوات للاستنفار العام.
وقد طغت التطورات في ريف اللاذقية على مثيلاتها في سهل الغاب وريف حماه الشمالي، ليس بسبب ضراوة المعارك التي جرت هناك فحسب، بل لأن لهذه الجبهة تأثيراً مباشراً على جبهة سهل الغاب، فمن شأن التقدم والسيطرة على بعض التلال المرتفعة أن تؤدي إلى إسقاط بعض القرى في سهل الغاب من دون حاجة إلى قتال حقيقي.
ويعمل الجيش السوري، مدعوماً بغطاء جوي روسي، في ريف اللاذقية على محورين أساسيين هما محور جب الأحمر ومحور سلمى. وجب الأحمر هي قرية صغيرة لا يتجاوز عدد بيوتها العشرة، لكنّ أهميتها الإستراتيجية تأتي من التلال المرتفعة التي تنتشر بينها وبين قمة النبي يونس. وجب الغار بمحاذاة مدينة صلنفة. وتشرف هذه التلال على سهل الغاب من جهة وعلى تلتين أخريين لهما أهمية كبيرة، هما «كتف الغدر» و«كتف الغنمة» المطلتان على مدينة سلمى غرباً. وقد استطاع الجيش السوري السيطرة على عدة تلال في جب الأحمر هي رويسة جورة الزعبرة ورويسة الطنبور وكتف البطيخ التي تشرف على قرية جب الأحمر التي أصبحت تعتبر ساقطة عسكرياً، لكن بقيت التلة الأخيرة والأهم خارج سيطرته وهي تلة خندق خامو، التي من شأن السيطرة عليها تسهيل عملية الجيش في سهل الغاب خاصة في السرمانية وبعدها جسر الشغور. لكن المشكلة أن السيطرة على هذه التلة المرتفعة غير ممكنة من دون أن يتقدم الجيش على المحاور الأخرى للمعركة، ولاسيما محور سلمى.
وبحسب الناشط السوري إياد الحسين، الذي يواكب عمليات الجيش في ريف اللاذقية منذ سنوات، فإن «السيطرة على مدينة سلمى ستؤدي إلى إسقاط التلتين، كتف الغدر وكتف الغنمة، اللتين يبلغ ارتفاعهما حوالي 1200 متر عن سطح البحر، وبالتالي لإسقاط التلة الأخيرة في جب الأحمر وهي خندق خامو»، لذلك توقع الناشط في حديثه مع «السفير» أن تتركز عملية الجيش نحو السيطرة على مدينة سلمى قبل أي أمر آخر، من دون أن يستبعد أن يلجأ الجيش إلى تكتيك آخر لإسقاط كتف الغدر وكتف الغنمة، من دون إعطاء تفاصيل أخرى نظراً لسرية المعلومات، مشيراً إلى أن «الجيش يفاجئ العدو ويفاجئنا باعتماده تكتيكات جديدة بين حين وآخر».
واستناداً إلى أهمية مدينة سلمى بالنسبة لجبهة ريف اللاذقية الشمالي ككل، فقد عمل الجيش السوري على فتح عدة محاور للإطباق على المدينة وإخراجها من سيطرة المسلحين، الذين يتواجد بينهم أعداد كبيرة من الشيشان وجنسيات مختلفة. فمن جهة استكمل الجيش طريقه بعد السيطرة على كفر عجوز، أمس الأول، واتجه نحو كفر دلبة التي تؤكد المعلومات أنه سيطر على تلة الخزان فيها، فيما تلة القلعة لا تزال منطقة اشتباكات مستمرة. ومن جهة ثانية قام الجيش بعملية التفاف حول كفردلبة وتسللت وحدات صغيرة من وادي حزيرين باتجاه ضاحية سلمى، حيث تمكنت من اختراقها والسيطرة على عدة كتل أبنية في طرفها الجنوبي، الأمر الذي يعتبر إنجازاً مهماً، لأن المنطقة خارجة عن سيطرة الجيش منذ حوالي أربع سنوات.
وتحدثت مصادر إعلامية معارضة عن استهداف مدينة سلمى بعشرات الغارات من قبل الطائرات الحربية الروسية على مدار اليوميين الماضيين.
في غضون ذلك، اضطر الجيش السوري إلى الانسحاب من قرية فورو في سهل الغاب بعد أن كان دخل إليها في وقت سابق، نتيجة ضراوة الاشتباكات واستمرار استفادة المسلحين من التغطية النارية التي يؤمنها التل الأخير في جب الأحمر، والذي يشرف على منطقة المعارك في سهل الغاب بشكل كبير. لكنّ الجيش واصل التقدم عبر محور آخر في سهل الغاب هو محور المنصورة باتجاه تل واسط والزيارة والتنمية الزراعية، غير أن التقدم بطيء للسبب نفسه هو الارتباط بين هذه المعارك وبين التطورات في جبال اللاذقية.
أما في ريف حماه الشمالي، فقد سيطر الجيش السوري على قرى أم حارتين وعطشان وسكيك، متجهاً نحو تشكيل قوس يحيط بمدينة خان شيخون في ريف إدلب من جهة الشرق، ولا ينقصه سوى السيطرة على قرية التمانعة، التي تفيد المعلومات الواردة من الميدان أن الجيش بدأ اقتحام الحي الجنوبي منها عصر أمس.
وقد أثارت السيطرة على هذه القرى، ولا سيما عطشان، إرباكاً واسعاً في صفوف الجماعات المسلحة، حتى أن الشيخ السعودي الجنسية عبدالله المحيسني، نشر تسجيلاً صوتياً دعا فيه إلى النفير العام لأن الساحة السورية تمر بمنعطف خطير. وحذّر المحيسني من «خطورة تحول الساحة إلى انهيارات متتالية»، مطالباً «القيام بعمليات كبيرة وهجوم معاكس، لا سيما في قرية عطشان» مشدداً على أن عدم القيام بذلك يهدد بأن المستقبل «سيكون مخيفاً». وهذه ثاني دعوة إلى الاستنفار تصدر عن المحيسني في غضون أسبوع واحد منذ بدء عملية الجيش السوري الواسعة.
وفي سياق متصل، أعلنت مجموعة من الفصائل عن تشكيل غرفة عمليات موحدة، خاصة بجبهة عطشان. وهذه الفصائل هي «جبهة النصرة» و«جند الأقصى» و«أحرار الشام» و «فيلق الشام». وهو ما يشير إلى أهمية هذه المنطقة بسبب إشرافها على أوتستراد حلب من جهة، ومن جهة ثانية بسبب قربها من قرية التمانعة التي لا تبعد سوى خمسة كيلومترات عن خان شيخون، التي يبدو أنها الهدف النهائي لهجوم الجيش السوري في هذه المرحلة.
وفيما استمر الجيش السوري في السيطرة على قرية لطمين محاولاً التقدم عبرها إلى تلة الصياد ومدينة كفرزيتا، أفاد «السفير» مصدر ميداني في ريف حماه أن «بعض وحدات الجيش استطاعت إحراز تقدم على محور كفرنبودة، حيث تجاوزت الدوار الجنوبي وتقدمت نحو المدينة مسيطرة على بعض المباني في أطرافها الجنوبية».
ويشير المصدر إلى أن السيطرة على كفرنبودة تساعد الجيش في وضع مدينة خان شيخون بين فكي كماشة من جهة الشرق وجهة الغرب، لكنه شدد على صعوبة معركة كفرنبودة بسبب كثرة الأنفاق فيها من جهة وبسبب وجودها في منطقة محاطة بالمسلحين من الجهات الثلاث، من جهة ثانية.
إلى ذلك، أضاف تنظيم «داعش» فشلاً جديداً إلى قائمة محاولاته لاقتحام مطار دير الزور العسكري، الذي تعرض خلال اليومين الماضيين لأعنف هجوم من نوعه. وبالرغم من تقدم مسلحي التنظيم في قرية الجفرة الملاصقة للمطار، واندلاع الاشتباكات بالقرب من بوابة المطار بعد إقدام التنظيم على تفجير عربة مفخخة يقودها انتحاري من مواليد بلدة الطيانة بريف دير الزور، إلا أن حامية المطار وبمساعدة كثيفة من الطيران الحربي تمكنت من صد الهجوم ومنع مسلحي التنظيم من اقتحام أي جزء من أجزاء حرم المطار.
عبد الله سليمان علي / السفير