قبيل العدوان على اليمن بفترة خمسة أيام فقط، وبالتحديد يوم الجمعة 20 آذار/ مارس 2015 ، شهدت العاصمة صنعاء فاجعة كبيرة وقاسية وصل ألمُها إلى كلّ بيت يمني، عندما فجر أربعة انتحاريين أنفسهم أوساط المصلين، بمسجدي بدر والحشحوش، بالتزامن مع فشل انتحاري خامس في تفجير نفسه وسط جامع الإمام الهادي، بمدينة صعدة، شمال اليمن.
حصيلة التفجيرات وصلت إلى نحو 150 شهيدا ومئات الجرحى. وكان التفجير يسعى لتجاوز هذا الرقم المهول من الضحايا، عندما اعتمد استراتيجية أن يتفجّر الانتحاري الأول في مقدمة المسجدين، حيث من المتوقع تواجد شخصيات قيادية من «أنصار الله» ـ وقد استشهد علماء بارزون وجرح آخرون ـ ثم عند هروب المصلين، يتفجر الانتحاري الثاني عند البوابة الرئيسة!
اللافت في تلك التفجيرات، أنها جاءت في وقت كان اليمن يعيش لحظة سياسية مختلفة تماماً، عن خمسة عقود سابقة، حظي آل سعود فيها بهيمنة واضحة وعميقة على القرار في صنعاء. وهي لحظة ما بعد ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014 التي أسقطت التعالي السعودي ووضعته في خانة الأشقاء، على قاعدة حسن الجوار والاحترام المتبادل. وهو ما لم يتقبله آل سعود!
في ظلّ تعقيدات ذلك التغيير الثوري، تيقّن اليمنيون من أنّ السعودية تقف بشكل مباشر خلف التفجيرات، لأسباب تتعلق بتلك اللحظة السياسية وأيضاً لارتباط النظام السعودي بالجماعات التكفيرية على مدى سنوات طويلة، كأداة لنشر الفوضى في اليمن. وهو ما جعل قيادة الثورة أمام اختبار حقيقي، في وقت كانت القاعدة تسرح وتمرح وتستقوي بالسيطرة على معسكرات الجيش في المحافظات الجنوبية، لتدفع تلك العوامل نحو مواجهة عسكرية وأمنية مع تلك العناصر وتحققت انتصارات مذهلة خلال أيام قليلة. ولم تُشيّع جثامين الشهداء في اليوم الخامس من التفجيرات، حتى صار المقاتلون على مشارف عدن، في أقصى الجنوب. وتمّ أسر قيادات الصف الأول من ضباط هادي، بعد أن تحالفوا مع القاعدة برعاية سعودية. ولا زالوا في الأسر حتى اليوم.
في الوقت الذي كان السعوديون ومعهم الأميركيون، يقلقون من تضاعف قوة وزخم الثورة، فإنّ تحضيراتهم، التي استمرت لأشهر للتدخل العسكري المباشر، وجدت لحظتها لتعلن في 25 آذار/ مارس 2015 بدء العدوان، نحو هدف التصدي للجيش واللجان الشعبية عن استكمال تطهير كلّ المدن اليمنية، كخطوة أولى.
بعد أن قتل تحالف العدوان ودمّر وعربد على مدى 17 شهراً، كان من اللافت أن يرتكب مجزرة بشعة، تعيد إلى الأذهان تلك التي استهدفت المصلين في جامعي بدر والحشوش، نتيجة التشابه في الأهداف، مع اختلاف أدوات التنفيذ وهي مجزرة استهداف المعزين في الصالة الكبرى بصنعاء، السبت الماضي 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
اعتقد المنفذ ـ بذات الاعتقاد حين تفجيرات المسجدين ـ أنه سيقتل الكثير من القيادات العسكرية والسياسية والقبلية، التي ستتواجد، حتماً، لتقديم واجب العزاء، بوفاة والد وزير الداخلية. وفي تشابه آخر، وقعت الغارة الأولى في وسط القاعة الكبرى، التي تتسع لآلاف المواطنين. ثم جاءت الغارة التالية، في الطرف الآخر من القاعة، بهدف حصد أكبر عدد من الضحايا.
صحيح أنّ قيادات سياسية وعسكرية وقبلية سقطت ضمن الشهداء، لكن ليس بمستوى طموح القاتل السعودي الأميركي، الذي ظنّ أنه سيقطف رؤوس السلطة في صنعاء.
أمام مشهد الجريمة، الذي لقي صدى عربياً ودولياً واسعاً، لجأ النظام السعودي لإنكار صلته بشنّ أيّ غارات على قاعة العزاء. وصنع رواية سريعة تقول: إنّ التفجير ناجم عن عملية انتحارية نفذها «داعش». ولتأكيد الرواية، عمد إلى «دواعشه» لصياغة بيان سريع يتبنى العملية. غير أنه سقط ـ سهواً ـ في شراك تخبّطه، ليثبت، لمن لا يعرف النظام السعودي، الارتباط الوثيق بين آل سعود و«داعش»، لأنّ الغارات وُثقت بالصوت والصورة وآثارها موجودة وأيّ تحقيق دولي لن يقود إلا إلى هذه النتيجة. وقد استدرك بان كي مون ذلك، عندما قال في تصريحه: إنّ الإدلة قوية والإنكار غير مفيد!
مع إجحاف كهذا، فإنّ اليمن قد بُليَ بعدوّ جبان لا يتحلى بأدنى أخلاق الحروب وليست لديه أيّ اعتبارات إنسانية، إلى مستوى أن يصل به الجبن إلى محاولة إنكار جرائمه والتخفي خلف هالة إعلامية ضخمة، تسعى لأن تغطي على الشمس بغربال!