روسيا ترفع سقف المواجهة في سوريا: كل الإحتمالات واردة
على الرغم من الخطوط الحمراء الموضوعة من جانب الولايات المتحدة وروسيا، لتنظيم الخلافات بينهما حول الأزمة السورية، يبدو أن مسار التصعيد بين الفريقين مستمر في الوقت الراهن، لا سيما من جانب موسكو التي باتت تضع كل الإحتمالات في الحسبان، وهو ما يظهر جلياً عبر تصاريح المسؤولين الروس، الذين لمسوا إستعداداً من قبل البعض في الإدارة الأميركية للذهاب بعيداً في الخيارات العسكرية، بالرغم من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يزال يقاوم الضغوط المفروضة عليه.
وفي هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر موقع “النشرة” إلى أن الحكومة الروسية لديها قناعة بأن الضغط الغربي، الذي تقوده الولايات المتحدة، لن يتجاوز الإستعراض الدبلوماسي، حيث أن الإدارة الحالية لا يمكن أن تقدم على أي خطوة تصعيدية غير محسوبة النتائج قبل أيام قليلة من موعد الإنتخابات الرئاسية، وتلفت إلى ما حصل في جلسة مجلس الأمن الدولي حول مدينة حلب، عند التصويت على مشروعي قرار فرنسي وروسي، لكنها تشدد على أن هذا لا يمنعها من التعامل مع التسريبات الصحافية الأميركية بكل جدية.
وتوضح هذه المصادر أن موسكو، منذ بدء الحديث في واشنطن عن درس مختلف الخيارات بعد قطع التعاون بين الجانبين، قررت أن ترسل أكثر من رسالة تحذيرية، الهدف الواضح منها هو منع الأميركيين من التفكير بأي عمل غير مسبوق، قد يقود إلى تعقيد الأزمة السورية على المستوى السياسي، خصوصاً أن روسيا لا تطمح إلى إنجاز حسم عسكري كامل، بل لا تزال تراهن على الهدف الأساسي من عملياتها في سوريا، أي دفع جميع الأفرقاء إلى التسوية، إنطلاقاً من الوقائع الميدانية تحت عنوان الحرب على الإرهاب والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، على أمل أن تكون حصة الأسد في أي معادلة جديدة من نصيبها.
ضمن هذا المسار، تضع المصادر نفسها الإعلان الروسي، على لسان نائب وزير الدفاع نيكولاي بانكوف، عن العزم على إنشاء قاعدة للأسطول البحري الحربي في ميناء طرطوس السوري، بعد أيام قليلة على نشر نظام صواريخ الدفاع الجوي أس-300 في المدينة نفسها، بالإضافة إلى إرسال 3 سفن تحمل صواريخ لتعزيز قواتها البحرية قبالة سواحل سوريا، وتشدد على أن هذا يعني أن موسكو عازمة على المضي في خيارها الإستراتيجي، القاضي بالعودة إلى الساحة الدولية من البوابة الدمشقية، وتضيف: “روسيا تقول من خلال هذه الخطوات أنها جاهزة لكل الإحتمالات، حتى ولو كانت لا تسعى إلى أي تصعيد جديد في العلاقة مع واشنطن”.
بالنسبة إلى المصادر المطلعة، الولايات المتحدة هي من يشعر بالإحراج على الساحة السورية، بسبب حالة الإرباك التي تسيطر على دوائر صنع القرار فيها، وهو ما ظهر في الصراع بين البيت الأبيض والكونغرس، حيث كان المسؤولون العسكريون يرفضون قرار الرئيس أوباما التعاون مع نظرائهم الروس، بالتزامن مع فشلهم في تجاوز أزمة التداخل المعقد بين المعارضة السورية التي تصنفها “معتدلة” وعناصر جبهة “فتح الشام” التي تؤكد أنها “إرهابية”، بالإضافة إلى عدم إهمال عامل أن الرئيس الحالي سينهي عهده على وقع الإنتصارات التي يحققها الجيش السوري، بدعم من موسكو، على جبهة مدينة حلب، الأمر الذي قد يؤدي إلى قلب موازين القوى رأساً على عقب.
وتعود هذه المصادر إلى التأكيد بأن واشنطن لا يمكن أن تذهب إلى المواجهة الشاملة مع موسكو، فهي في الأصل لم تذهب إلى هذا الخيار أيام الحرب الباردة مع الإتحاد السوفياتي السابق، وتدرك تداعيات مثل هذا الأمر على الأمن والسلام العالميين، لكنها تشير إلى أن هذا لا يعني أنها ستبقى مكتوفة اليدين، لا بل على الأرجح هي ستقدم على الذهاب نحو خيارات جديدة تساهم في تحسين أوراق الرئيس الأميركي المقبل، الأمر الذي يدفع روسيا إلى الحذر، خصوصاً أن قواتها موجودة على أرض الواقع، وبالتالي عليها حمايتهم من أي تهديد، لا سيما إذا كان على شكل إعادة تجربة الحرب الأفغانية.
وفي حين ترجح المصادر نفسها عدم إمكانية عودة مستوى التنسيق بين القطبين العالميين إلى سابق عهده، في المرحلة الحالية، تؤكد بأن مساراً جديداً سيفتح بعد الإنتخابات الأميركية، لكنها تشدد على أن موسكو لن تقبل التراجع مهما كان الثمن، فهي اليوم لا تكتفي بالقواعد السورية على البحر المتوسط، بل تجري محادثات مع مصر حول استئجار منشآت عسكرية، من ضمنها قاعدة جوية في مدينة سيدي براني شمال غرب مصر، قرب ساحل البحر المتوسط، من المتوقع أن تكون جاهزة للاستعمال بحلول عام 2019، في حال توصل الجانبان إلى اتفاق.
في المحصلة، الرهان الأميركي على تراجع روسيا أمام الضغوط الدبلوماسية والإعلامية لا يبدو صالحاً، حيث تصر موسكو على الذهاب بعيداً في المواجهة، مع إصرارها على الإبقاء على خطوط إتصال مفتوحة بين الجانبين، ورغبتها في التوصل إلى حلول سياسية مقبولة من جميع الأفرقاء.