تحركات فرنسية بهدف إعادة استعمار الجزائر!
عقيل الشيخ حسين
وقائع عديدة تراكمت خلال الفترة المنصرمة لتشهد على تصاعد للتوترات بين فرنسا، القوة التي سبق لها أن استعمرت الجزائر لأكثر من 130 عاماً، والجزائر التي شكلت إحدى أكبر المستعمرات الفرنسية سابقاً. إرهابيو داعش والقاعدة يمهدون الطريق أمام الغزو الفرنسي.
بين الوقائع المذكورة، هناك الاستياء الجزائري تجاه نشر صحيفة “لوموند” الفرنسية القريبة من الحكومة صورة للرئيس بوتفليقة مع اتهام كاذب له بصلة ما مع فضيحة “وثائق بنما”.
استفزازات
لم يكن رد الفعل الجزائري أقل عنفاً على كلام صدر عن السفير الفرنسي في الجزائر اعترف فيه بأن بلده فرنسا يعتمد سياسة تمييزية، في مجالات منها الحصول على تأشيرات دخول فرنسية. كشف السفير ان فرنسا تسهل اعطاء تأشيرات لجزائريين قبائليين يتعاطفون مع “الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل” والتي يعتبرها الجزائريون عميلة لفرنسا تعمل على إعادة استعمار الجزائر من قبل الفرنسيين.
ومن العيار نفسه جاء رد الفعل الجزائري على خطاب ألقاه الرئيس هولاند ذكر فيه مذابح مزعومة ارتكبت بحق “الحركيين” (وهم جزائريون ربطتهم بفرنسا علاقة العمالة خلال حرب التحرير) غداة توقيع اتفاقيات “إفيان” حول استقلال الجزائر. والمعروف أن الجزائر تعتبر أن تلك المجازر بلا أساس.
وفي الإطار الاستفزازي نفسه، كرر الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، في تموز/يوليو 2015، وبعد صمت طويل، دعوة كان أطلقها عام 2008 لإقامة الاتحاد المتوسطي أو “الاتحاد من أجل المتوسط”. وقد تم تقديم هذه المنظمة التي تطمح، بحسب ساركوزي، إلى جمع بلدان الاتحاد الأوروبي والبلدان المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط (7 بلدان عربية، إضافة إلى تركيا والكيان الصهيوني)، على أنها فضاء للحوار بهدف التعاون والتنمية ومكافحة الإرهاب… ولكن ما يختفي خلف هذه الواجهات يمكن تلخيصه بكلمة واحدة : “استعمار” من جديد.
حلم فرنسا : استعمار الجزائر
وتصديقاً لذلك، لم يتردد العديد من المحللين عن وصف هذا المشروع بأنه “غزو” فرنسي. وجميع بلدان هذا الاتحاد مهددة في حدود الإمكان بهذا الغزو أو، على الأقل، بعض هذه البلدان، وعلى سبيل المثال بلدان إفريقيا الشمالية، والجزائر بشكل أكثر خصوصية. ذلكم أنها، في فترة الاستعمار الكلاسيكي، بين العام 1830 والعام 1962، كان يسميها الفرنسيون بـ “الجزائر الفرنسية”.
والواقع أن اسقلال الجزائر لم يعترف به من قبل كل من “منظمة الجيش السري” (الفرنسي) والحركيين الجزائريين. أما اليوم، فإن فكرة إعادة فتح الجزائر تستمر في كسب المزيد من القوة ليس فقط في وعي ولا وعي الشرائح الأكثر تطرفاً من اليمين المتطرف، بل أيضاً عند أحزاب يمينية أخرى، بل عند الاشتراكيين الذين يتربعون اليوم، بشخص فرنسوا هولاند، فوق قمة الحكم في فرنسا.
إمبراطورية فرنسية جديدة
بوصفه منظراً، اعتقد ساركوزي أن مستقبل الجزائر يجب أن يعالج في إطار الاتحاد المتوسطي. ما يعني أن الجزائر مدعوة لأن تكون جزءاً من هذه الإمبراطورية الفرنسية الجديدة التي يبدو أن أمثال ساركوزي وهولاند يحلمون بإحيائها جدياً على أنقاض الإمبراطورية الأميركية الآخذة بشكل لا رجعة فيه بالانهيار.
في هذا السياق أطلق هولاند عملية تطبيق نظرية سابقه ساركوزي… انطلاقاً من مالي وليبيا، البلدين اللذين تجتاحهما الحروب التي يُزعم بأنها ضد الإرهاب. ومن المغرب الذي يؤجج الصراع في الصحراء الغربية. وأيضاً من الشواطئ الجزائرية التي كانت خلال قرون مضت تتعرض للقصف وللنهب من قبل الأساطيل الفرنسية والأوروبية التي كانت تكافح -لأن الإرهاب لم يكن قد اخترع بعد- ضد القرصنة!
وهكذا، فإن التدخل العسكري الوشيك من قبل القوى الغربية بهدف ضرب الإرهابيين الناشطين في ليبيا، ومالي، يبدو أشبه بعملية إلهاء هدفها “تغطية هروب” الإرهابيين -الذين يبدو أن مهمتهم قد انتهت في البلدين المذكورين- نحو الأراضي الجزائرية ليشرعوا هناك بنفيذ مهمتهم الجديدة، أي بخلق ظروف التدخل العسكري الغربي، والفرنسي بوجه خاص، في الجزائر.
لقد تمكنت العملية العسكرية الفرنسية المسماة “باركان” حتى الآن من وضع الجزائر (إضافة إلى دزينة من بلدان الساحل وشمالي إفريقيا) في قلب الحرب الفرنسية ضد العدو الإرهابي المزعوم في مالي. وجاءت المواجهات المسلحة في الجنوب الجزائري بين السنة العرب والطوارق، ولكن أيضاً بينهم وبين الأمازيغ في جبال القبائل، لتشكل الشرارات التي تهدد بإحراق الجزائر التي لم تكد تخرج بعد من حرب أهلية استعرت طيلة عشر سنوات، وهي الحرب التي يمكن أن تندلع مجدداً لتسهم في خلق ظروف إعادة الفتح الذي يحلم به أولئك الذين يعصف بهم الحنين إلى إحياء الجزائر الفرنسية.
====