درع واشنطن لصد “الدول المارقة” وفي مقدمها إيران
استطلعت صحيفة “إزفيستيا” الروسية آراء فريق من الخبراء حول الخطوة التالية في المجابهات بين روسيا والولايات المتحدة وإطلاق الأخيرة أول مجمع بري في إطار درعها الصاروخية شرق أوربا.
وفي مادتها بهذا الصدد، أشارت الصحيفة إلى جواب وزارة الخارجية الروسي المتشدد، حيث حذرت من رد تقني عسكري مناسب، فيما لم يستبعد مجلس الاتحاد الروسي انسحاب روسيا الاتحادية من معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية المعقودة مع الولايات المتحدة.
وتضاربت آراء ثلة من الخبراء استطلعتهم “إزفيستيا” حول مدى تهديد عناصر الدرع الصاروخية الأمريكية للصواريخ النووية الاستراتيجية الروسية، فيما أجمعوا على احتدام المجابهات بين روسيا والولايات المتحدة.
وأعادت الصحيفة إلى الأذهان، مراسم تدشين منظومة Aegis Ashore في واحدة من القواعد العسكرية جنوب شرق رومانيا، وذلك في إطار نشر عناصر المجمع البري من الدرع الصاروخية في أوروبا الذي يضم محطة رادار قوية و24 منصة لإطلاق الصواريخ الاعتراضية القادرة على إسقاط الصواريخ البالستية المتوسطة وقصيرة المدى خارج الغلاف الجوي للكرة الأرضية.
وأشارت إلى أن الهدف الذي تصرح به الولايات المتحدة والناتو من وراء هذه الدرع، حماية “العالم القديم” من الضربات الصاروخية التي قد تصدر عن “الدول المارقة”، وفي مقدمتها إيران، فيما يشكك المسؤولون الروس بمصداقية هذه التأكيدات، ولا سيما بعد تسوية مشكلة برنامج إيران النووي باتفاقية الصيف الماضي التي لا بد لها من أن تضع حدا للمماحكات بين جمهورية إيران الإسلامية والمجتمع الدولي.
وذكّرت “إزفيستيا” بما صرح به دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس الروسي، حيث أشار إلى أن أصحاب الدرع الصاروخية في أوروبا، كانوا يجزمون في البداية بأنها موجهة لاحتواء خطر إيران الصاروخي، وأكد أن الجميع اليوم صاروا على يقين تام بأن الوضع على هذا الصعيد قد تغير بشكل جذري.
ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية قولها، إن موسكو تحتفظ لنفسها بحق اتخاذ خطوات عسكرية وتقنية جوابية، كما لفتت النظر إلى ما صرح به فيكتور أوزيروف رئيس لجنة الاتحاد الروسي لشؤون الدفاع والأمن، حيث لم يستبعد انسحاب بلاده من معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية المعقودة مع الولايات المتحدة.
وأبرزت الصحيفة، أن وزارة الخارجية الروسية ترى في نشر الولايات المتحدة منصة بطاريات صواريخها في رومانيا، انتهاكا صريحا لمعاهدة تفكيك الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، إذ يمكن استخدام هذه البطاريات لإطلاق الصواريخ الاعتراضية، والمجنحة.
واستشهدت “إزفيستيا” على هذا الصعيد بما أدلى به السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي إينس ستولتينبيرغ في كلمة ألقاها خلال مراسم التدشين في رومانيا، وأفصح عن أن إسبانيا وألمانيا وتركيا والدنمارك وهولندا سوف تسهم في نشر الدرع الصاروخية وأن كلا منها ستقدم بناها التحتية اللازمة لذلك.
ومن الجانب الروسي، أوردت الصحيفة مقتطفات من تعليق ليوري بالويفسكي الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة في الجيش الروسي على مساعي واشنطن والناتو لنشر عناصر درعهما وإتمامها بالكامل، أكد فيه أن الهدف الرئيس من الدرع الحد من قدرات روسيا الاستراتيجية النووية، وضمان إمكانية توجيه الضربة لها وإسقاط أي هدف ينطلق من عندها.
وأضاف بالويفسكي أن من يمكن تسميتهم بـ”الشركاء” يعكفون في الوقت الراهن على تنفيذ برنامج “حرب النجوم” الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي رونالد ريغن سنة 1983، بما يضر بالقدرات النووية الاستراتيجية الروسية، فيما لم يتخل الأمريكان ابدا عن مدّ نطاق التغطية الصاروخي الثالث، والرابع ومن ثم الخامس.
وكشف العسكري الروسي في هذا الصدد عن أن وزارة الدفاع الروسية، تخطط وعلى خلفية إطلاق قواعد الدرع الصاروخية الأمريكية، لنشر منظومات “اسكندر” الصاروخية، وقاذفات “تو-22 أم3” الاستراتيجية في شبه جزيرة القرم، فيما من المقرر في غضون العام الجاري نصب منظومة “روبيج” الصاروخية الواعدة في إركوتسك بمداها المجدي الذي يصل إلى 6,5 ألف كم.
وأشار بالويفسكي إلى أن نشر صواريخ “روبيج” العابرة للقارات برؤوسها النووية، والقادرة على المناورة واختراق الدرع الصاروخية الأمريكية، سيمثل ردا كافيا بالمطلق على الخطوات الأمريكية في شرق أوروبا، وسيحافظ على قدرات روسيا ويحصنها ضد صواريخ “تاماهوك” الأمريكية.
وبين من استطلعت “إزفيستيا” آراءهم، إيفان كونوفالوف رئيس مركز القضايا الاستراتيجية، العضو في نادي “فالداي” الدولي الحواري، الذي أكد أنه لدى روسيا ما يكفي للرد العسكري المناسب، وأعرب عن تشاؤمه حيال مستقبل الحوار بين موسكو وواشنطن، حيث قال: صواريخ “سارمات”، و”يارس” البالستية الروسية الحديثة قادرة على تخطي جميع المنظومات المضادة للصواريخ، بما فيها الأمريكية، إلا أن الدبلوماسيين سيواصلون حواراتهم، فيما لا يمكن الجزم بإيجابية ما قد تخلص إليه هذه المفاوضات بالنسبة إلى روسيا.
فالولايات المتحدة تعاني نوعا من “الجنون الارتيابي” يحملها على استحداث طوق أمني عالمي تتزنر به.
فلاديمير دفوركين، كبير باحثي معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية لدى أكاديمية العلوم الروسية، اعتبر في تعليق للصحيفة أن مشكلة الدفاع الصاروخي الأمريكية سياسية أكثر منها عسكرية، ولم تتفاقم في الآونة الأخيرة إلا نتيجة للمجابهات التي احتدمت بين موسكو وواشنطن.
وأضاف أن الدرع الأمريكية لا تعني شيئا بالنسبة إلى الصواريخ الاستراتيجية الروسية العابرة للقارات، وذلك وفقا لحسابات دقيقة أجريت مرارا وتكرارا، مما يعني أن الخلاف بين البلدين يحمل طابعا سياسيا لا عسكريا.
وأشار إلى أن الطابع السياسي الذي يسم هذه المشكلة، أنها مستمرة منذ سنة 2002، حيث وقع البلدان على وثيقة الشراكة الاستراتيجية، بما يشمل الدفاع المشترك المضاد للصواريخ، إلا أن الأمريكان لم يتقيدوا بالوثيقة وشرعوا في نشر عناصر درعهم في أوروبا، الأمر الذي أجهض الشراكة بعد أن كان من المتاح للبلدين فرصة نصب درع مشتركة.
وخلص دفوركين في تعليقه للصحيفة، إلى أن الولايات المتحدة تريد من جهة حماية حلفائها، و”شدّ وثاقهم بما لا يبعدهم عنها” من جهة ثانية، واستبعد وجود أي سباق للتسلح بين البلدين بمفهومه التقليدي.
كما أشار إلى أن روسيا والولايات المتحدة تواصلان على الصعيد الاستراتيجي التقيد بمعاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية التي أبرمتاها في باريس، نظرا للمنافع التي تحملها في طياتها لكل من البلدين، فيما الحاصل في الواقع أنهما يستبدلان أسلحتهما القديمة بحديثة ولا تتسابقان.
المصدر: “إزفيستيا”