الصحافة عُقدة أردوغان
وصل الامر بالعداء الذي يكنه اردوغان للصحفيين، حتى بات يتهمهم بالتجسس ومحاولة الانقلاب على نظامه، وهي تهم في غاية الخطورة، تستوجب احكاما في غاية القسوة، لاسيما بعد هيمنة حزب اردوغان على القضاء، ومطاردته ما تبقى من القضاة الذين يشك بولائهم له ولحزبه.
من المعروف ان اوروبا تراقب اداء اردوغان عن كثب، لاسيما في مجال حقوق الانسان واحترام حرية التعبير، وهي معايير على اردوغان مراعاتها من اجل التمهيد لدخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي، لذلك ارسلت اوروبا بعض الدبلوماسيين لحضور محاكمة الصحفيين التركيين، رئيس تحرير صحيفة «جمهورييت» جان دوندار ومدير مكتبها في انقرة اردم غول، بعد نشرهما مقالا مسندا بصور وفيديو عن اعتراض قوات الأمن شاحنات عائدة لجهاز الاستخبارات التركي تنقل أسلحة للجماعات التكفيرية في سوريا في كانون الثاني/يناير 2014، الا ان اردوغان استشاط غضبا وقال في خطاب متلفز في اسطنبول مخطابا الدبلوماسيين الاوروبيين “من انتم؟ ماذا تفعلون هنا؟” .. “لستم في بلادكم، انتم في تركيا”، كما توعد اردوغان الصحفيين بلهجة غاضبة قائلا “إن من نشر هذه المعلومة سيدفع ثمنا غاليا، لن أدعه يفلت”.
لكن لما أفرجت المحكمة عن جان دوندار وأردم غول، بعد 92 يوما من احتجازهما احتياطيا، تنفيذا لقرار المحكمة الدستورية، وجه اردوغان انتقادات لاذعة إلى المحكمة الدستورية التي قضت بإطلاق سراحهما، مهددا بإلغاء المحكمة في حال أعادت الكرة، وقال أردوغان في خطاب نقلته القنوات التلفزيونية “آمل ألا تعيد المحكمة الدستورية الكرة بطريقة من شأنها أن تضع مسألة وجودها وشرعيتها على المحك”، مؤكدا أنه “لا يكن احتراماً لقرارها”.
وتعتبر المحكمة الدستورية احدى المؤسسات النادرة التي لا يسيطر عليها اردوغان، اذ ان غالبية اعضائها عينوا قبل تسلمه الرئاسة عام 2014. والغت هذه المحكمة مرارا قوانين اقرتها الحكومة لعدم انسجامها مع الدستور.
الملفت ان عداء اردوغان للصحفيين وحرية التعبير انتقل من تركيا الى الخارج، فالرجل لا يتحمل حتى النقد الموجه اليه من قبل الاعلاميين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني في العالم، فكلنا يتذكر كيف وجهت حكومة الإكوادور في فبراير/شباط الماضي مذكرة احتجاج لحكومة أنقرة حول تصرفات حرس اردوغان الذين اعتدوا على 3 ناشطات في الأكوادور أثناء زيارة الأخير للبلاد.
وكان محتجون، وجلهم من النساء، قاطعوا بصورة مفاجأة كلمة الرئيس التركي وطالبوه بالتنحي، الأمر الذي دفع بالحرس الخاص لأردوغان إلى التدخل بعنف.
وتسبّب عنف التدخل التركي نشوب أزمة سياسية حقيقية في الإكوادور تحولت إلى أزمة بين البلدين، خاصة بعد انضمام رئيسة البرلمان غابرييلا ريفانديريا التي نددت بالتدخل غير القانوني للأمن التركي، وباعتدائه على النائب دييغو فانتميليا، الذي حضر اللقاء حسب وسائل الإعلام في الإكوادور.
من جهته، ذكر وزير الخارجية الإكوادوري ريكاردو بوتينيو أنه اتصل بالسفارة التركية وعبر عن احتجاجه لما قام به حرس أردوغان وقال نطلب من الجانب التركي معاقبة المقصرين.. ونود التذكير أن أي مواطن إكوادوري يمتلك الحق في التعبير عن رأيه من دون أن يعاقب.
اخر صولات اردوغان ضد الصحفيين في خارج تركيا كانت الاحتجاج الذي تقدمت به انقرة لدى سويسرا، بسبب صورة تنتقد إردوغان وضعت في ميدان عام أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف، ودعت الى نزعها، الا ان السلطات السويسرية رفضت الطلب التركي.
والصورة هي لوجه صبي توفي متأثرا بجراحه في احتجاج مناهض للحكومة في اسطنبول عام 2013 مع لافتة أظهرت رسالة تلقي باللائمة على إردوغان وأوامره للشرطة في مقتل الصبي.
الضجة التي اثارتها تركيا ضد صورة الصبي المقتول، سبقتها ضجة اكبر واوسع اثارتها تركيا ضد المانيا، عندما احتجت الحكومة التركية، وحتى اردوغان نفسه على فنان ساخر الماني القى قصيدة ينتقد بها اردوغان، ولكن الحكومة الالمانية على العكس من الحكومة السويسرية رضخت لاردوغان وسمحت بفتح تحقيق مع الفنان الالماني لاهانته رئيس دولة اجنبية!!، الامر الذي اعتبره بعض المراقبين تراجعا من المستشارة الالمانية ميركل، لارضاء اردوغان، صاحب المزاج المُستفز دائما، كي لا يستخدم مرة اخرى ورقة اللاجئين السوريين للضغط على اوروبا وخاصة المانيا.
الشعور بكونه امتدادا للسلاطين العثمانيين، يعطي لاردوغان احساسا بأنه فوق اي انتقاد، وعلى الجميع ان يتعامل معه كسلطان عثماني و ك”خليفة للمسلمين”، وهذا الاحساس بالذات يعطيه الحق ان ينتقد دون ان يُنتقد، مهما كانت جنسية الشخص المنتقد، فهو يمتلك الحق ان يقول عن معارضية بانهم “مثليون وملحدون وارهابيون”، بل يتهم جيوشا وحكومات بالطائفية والعنصرية، ولكن لا يملك أيا كان ان يرفع لافتة، في اي مكان كان، تنتقد سياسته، التي دفعت المنطقة الى حافة الهاوية.
* سامي رمزي – شفقنا
====
أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا✅