قصص مأساوية لأطفال غزة قتلوا بملابس العيد
كتب / عبدالكريم مطهر مفضل
في الوقت الذي كانت فيه سماء مدن العالم العربي والإسلامي تتلألأ بالألعاب النارية وبيوتها تضئ بالفوانيس، وشوارعها تزهو بمرح الأطفال احتفالًا بعيد الفطر المبارك، كانت سماء قطاع غزة تشتعل بنيران الموت والإبادة الجماعية، وشوارعها تغرق بدماء الأطفال.
أطفال غزة رحلوا بملابس العيد وزهرات رحلن بزينتهن، لا كعك ولا حلوى ولا ملابس العيد ولا زينة إلا على أكف الملائكة، أطفال غزة رحلوا بذنب الصمت العربي والتواطؤ الدولي لبسوا الكفن الأبيض بديلا عن كسوة العيد.
صواريخ وقنابل وقذائف الإجرام الصهيوني لم تفرق بين منزل أو خيمة تأوي أطفالًا كانوا ينتظرون شعاع صبح العيد السعيد، لتنهار فوق رؤوسهم البريئة قبل بزوعه، وحينها حولت غرف الأطفال إلى ركام وأفران أحرقت أجساد بريئة، كما حولت أجسادهم وملابسهم وألعابهم إلى أشلاء متناثرة ومتفحمة.
كما لم تفرق صواريخ وقنابل وقذائف الموت، بين شارع يعج بملائكة البراءة وهم يتسابقون وسط ركام المباني المهدمة لمعايدة الأهل والجيران، والحصول على حلوى وكعك العيد، وأرواح بريئة كانت تزهو باللعب داخل الأزقة.
في صبيحة العيد، كان أطفال غزة يحاولون الابتسام للعيد رغم قسوة المعاناة والألم، لكن بعضهم لم يُكتب لهم حتى رؤية العيد، إذ استشهدوا تحت القصف بزينتهم وملابس العيد، وآخرون لم تسنح لهم الفرصة حتى للتزين وارتداء ملابس العيد.
كيف لغزة أن تحتفل بالعيد وكل طفل فقد أهله، وكل أب يبحث عن أطفاله بين أنقاض وركام البيوت، وكل أم فجعت بفقدان فلذة كبدها، قبل أن يتذوقوا الكعك المغمس بالدماء وفرحة العيد التي سلبت منهم في جنحة ظلام ليل غزة البهيم.
وكيف للشعوب العربية والإسلامية، أن تحتفل بالعيد بينما أطفال من أبناء جلدتهم ودينهم حرموا ليس فقط من الفرحة بالعيد بل حرموا حتى من الحياة؟
كيف لتلك الأمة أن تحتفل وكل طفل يُقتل في غزة هو جرح في ضمير الأمة وعار في جبينها.
الحصيلة كانت ثقيلة ومؤلمة، فقد قتلت قوات الاحتلال في يوم العيد خمسين طفلًا، سرقت منهم أحلامهم وفرحتهم قبل أن تبدأ.
أطفال غزة ليسوا فقط أرقام في حصيلة ضحايا الاجرام الصهيوني والأمريكي بقدر ما هم جرح ووصمة عار في الضمير الغائب والمستتر لمجتمع دولي منافق وخانع أمام جبروت قوة المال والسلاح والسياسة الأمريكية.
كثيرة هي قصص الألم في صبيحة عيد غزة، ففي مشهد يفطر القلوب، جلست أم فلسطينية أمام جثمان ابنها، تقبّل يديه وقدميه، تناديه مرارًا وتتوسله أن يستيقظ، لكن الموت كان أسرع من رجائها.
وفي مشهد آخر، كانت أم أخرى تحتضن فستان عيد طفلتها التي رحلت، تتأمله وبحرقة “الأم” المفجوعة نطقت بحزن فقدانها لطفلتها، بينما ترددت كلماتها الموجعة: “كانت ستبدو جميلة جدًا به”.
وأم ثالثة تحتضن بكل ما أوديت من قوة طفلها بين يديها أثناء تشييعه، وبعينين غارقتين الدموع تتمتم بحرقة وألم: “ألبسته الكفن بدل ثياب العيد”/
وعلى الجانب الآخر، وقف أب فوق جثث أطفاله الثلاثة وبعد تكفينهم وهم بملابس العيد أقدم الأب على توزيع العيدية العيدية الأخيرية بإدخالها إلى جيوبهم.
وأب آخر، يضع ملابس العيد الجديدة داخل كفن أطفاله الذين استشهدوا قبل أن يرتدوها.
ورغم الألم، تبقى كلمات أمهات شهداء أطفال العيد في غزة رسالة إنسانية صادقة، تذكر العالم بحجم المأساة التي يعيشها أطفال غزة وعائلاتهم بشكل يومي تحت القصف والحصار.
هذه المشاهد المفجعة تكشف زيف الإنسانية التي تصمت أمام جرائم الاحتلال، والتي بات صمتها مشاركة وتواطؤ في تلك الجرائم.
لكن غزة لن تنسى، وأهلها لن يغفروا، والتاريخ لن يسامح من صمت أو تواطأ.