«الحراك» في مواجهة «الإصلاح» و«القاعدة»: مخاوف على مصير «القضية الجنوبية»
بقلم / كريم الحنكي
ترفض «المقاومة الجنوبية» موقف هادي وأنصاره من قضية الجنوب ومن حراكه (الأناضول)
بعد خروج الجيش و«أنصار الله» من الجنوب، استدارت «المقاومة الجنوبية» التي تمثّل «الحراك الجنوبي» إلى خطر مجموعات «الإصلاح» و«القاعدة»، في وقتٍ تلقت فيه وعوداً «فارغة» من الرياض، يخشى الحراك ألّا تؤدي إلا إلى «الأقاليم الستة» التي يرفضها، فتكون النتيجة استغلال التحالف له من دون أن يجني شيئاً لقضيته
منذ انطلاقها في تموز الماضي، مثلت عملية «السهم الذهبي» تحوّلاً فارقاً في مسار الحرب على اليمن، وذلك لاشتمالها على تدخل برّي إماراتي كبير ولافت، أسهم بدور حاسم في تمكين الأطراف الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي والتحالف من تحرير معظم محافظات عدن ولحج وأبين، وبإخراج الجيش و«أنصار الله» منها.
ولئن كان الوضع المترتب على ذلك قد دفع بعض الأطراف «المنتصرة» إلى استشعار المخاوف والخطر من بعضها، فإن أكثرها قلقاً وتوجساً هو «المقاومة الجنوبية» التي تمثل «الحراك الجنوبي»، إذ إنها تختلف اختلافاً جوهرياً مع باقي الأطراف التي تحالفت معها وقاتلت إلى جانبها.
هي ترفض بالقطع موقف هادي وأنصاره من قضية الجنوب ومن حراكه ومن رؤيتهم لحلّها. وهي تناصب اللواء علي محسن الأحمر وحزب «الإصلاح» الإخواني وقواتهما عداءً مستحكماً، لا يقل عن عدائها للرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ ولا يبعد عن ذلك موقفها من الفصائل المتشددة الأخرى مثل «القاعدة» و«أنصار الشريعة» و«داعش». كذلك، لا تتفق قوات «الحراك» مع السلفيين، لكنها ترى إمكانية في التعاطي معهم، وربما الاستفادة منهم إلى حد ما في تسكين تلك الفصائل «الجهادية» ودرء خطرها. دعت الحاجة أطراف الجانب الموالي للتحالف و«الشرعية» إلى تجاوزه تلك المخاوف والتهوين من شأنها، إبان وجود قوات «الجانب الآخر» وتفوقها في عدن والمحافظات المجاورة حتى منتصف تموز الماضي. بالأحرى، لقد أُجِّل البحث في تلك المخاوف، حتى نجاح عملية «السهم الذهبي» في إخراج «العدو المشترك» من الجنوب، إلا أنه بذلك انتهى عامل التوحيد الوحيد بين أطراف بالغة التباين.
رفعت أعلام السعودية والإمارات إلى جانب أعلام «داعش» في الجنوب
وسرعان ما ظهرت استحقاقات مختلف المجموعات المقاتلة، ومعها التسابق على بعض المواقع والمؤسسات، ولا سيما في عدن. وتمكنت بعض الفصائل المتطرفة المذكورة، من السيطرة على مواقع رسمية منها ما هو رئاسي وعسكري، إلى جانب مهاجمة الكنائس والمدافن المسيحية في المدينة، مثلما حدث في كريتر والمعلا والتواهي التي تجسد تسامح عدن وعراقة مدنيتها، بالاضافة إلى تدمير أضرحة تاريخية لبعض أولياء الصوفية الكبار خارج عدن. كذلك، إن عداء تلك الفصائل لمخالفيها ومنهم «الحراك» ومقاومته المسلحة والعديد من ضباط الأجهزة العسكرية والأمنية وغيرهم، بدأ ينعكس في مشاحنات تؤدي إلى رفعها راياتها على مرافق عامة تارةً، وفي المواجهات المسلحة وفي التفجيرات والاغتيالات طوراً، في حالات لا تزال محدودة حتى الآن لكنها تنذر بالاتساع وبخطر سيطرة تلك الجماعات على معظم ما يسميه بعضها «ولاية عدن».
ولعل لقاءات عدد من القيادات الحراكية المختلفة التي علمت «الأخبار» بأنها تجري حالياً في بعض المناطق الداخلية بعيداً عن عدن، تندرج في إطار القلق تجاه الاستحقاقات المستجدة، وخصوصاً تربّص قوى التطرف التي يعتقد كثير من الحراكيين أن خلفها رموز نظام صنعاء؛ بالإضافة إلى قلق تلك القيادات على مستقبل الجنوب الذي قد يقرره «التحالف» بما لا يشتهيه الجنوب وحراكه ومقاومته وشهداؤه وتضحياته.
فلا يبدو أن لدى الرئيس وحكومته في الرياض ما يقدمونه لمعالجة خطر الأوضاع المتردية عموماً، ما عدا قرارات مثل دمج مقاتلي «المقاومة الشعبية» في «الجيش الوطني» والأمن، إلى جانب الترغيب والتلويح بالمواقع والتعيينات والمكاسب التي يعوّل عليها إلى حد ما في سحب المؤثرين والفاعلين من شباب الجنوب بعيداً عن قضيتهم؛ وإلا فالخيارات مفتوحة والبديل حاضر.
بالنسبة إلى الجنوبيين، لا يمكن القول بـ«انتصار المقاومة الجنوبية» أو بعدم انتصارها، إلا بعد أن يتضح ما ستسفر عنه التطورات المقبلة بشأن قضية الجنوب. ومن خلال التصريحات الأخيرة في الدوحة للرئيس «الشرعي» الذي هرب ولم يعد، لا يُفهم فقط عزم السعودية وهادي على محاربة قوات «أنصار الله» حتى القضاء عليها وملاحقتها إلى معقلها في صعدة و«رفع علم الجمهورية على جبال مَرَّان»، بل يفهم أيضاً تمسكهما بالمشروع الذي سبق أن رفضه «الحراك» بإجماع نادر شمل معتدليه قبل متشدديه، لما يتضمن من خطر على قضيتهم، وهو تقسيم الجنوب إلى إقليمين غربي وشرقي مع ضمان وضع خاص لعدن (ما يعيد إلى الأذهان وضع محميتي الجنوب العربي البريطانيتين ومستعمرة عدن قبل قيام الدولة الوطنية المستقلة في جنوب اليمن الموحد عام 1967). وظهر ذلك حين أعلن الإصرار على «تطبيق فدرالية الأقاليم الستة شاء من شاء وأبى من أبى».
ومن المفارقة الساخرة أن العلم اليمني الذي يريد هادي رفعه في صعدة، لم يجرؤ أحد على رفعه في عدن ولحج وأبين منذ «تحريرها» في تموز الماضي، إذ لا يرى المرء سوى أعلام السعودية والإمارات والشطر الجنوبي السابق، وفي بعض الأماكن علم تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) و«القاعدة».
قد يكون الجزء المتعلق بمرَّان في خطاب هادي، يهدف إلى الاستهلاك الإعلامي لا أكثر. لكن المؤكد أن تطبيق ذلك المشروع يحظى بتأييد معظم حلفاء «المقاومة الجنوبية» في هذه الحرب وبموافقة أو عدم اكتراث بعضهم الآخر؛ بينما تنفرد «المقاومة» وبالتالي «الحراك» من بينهم جميعاً برفضه وبمحاربته، لكونها قد تجد نفسها مدفوعة قريباً إلى الدخول مع حلفاء الأمس في تعقيدات كثيرة لا يستبعد معها استهدافها من قبل قوات «التحالف» وطيرانه قصداً وتعمُّداً، بعدما استهدفها مراراً في السابق، وسبّب استشهاد عدد كبير من مقاتليها ومن مدنيي الجنوب «من طريق الخطأ» وفقاً لما قيل في الإعلام الخليجي.
أما ما ينسبه البعض إلى هادي من إشادات لاحقة مثل أن «الحراك الجنوبي رفع رؤوسنا أمام أشقائنا في الخليج، وأصبح القوة الحقيقية التي قارعت الجيش العائلي وعصابات إيران»، وتقديم تلميحات لطمأنتهم من نوع أنهم «سينالون حقهم وما يرضيهم»، فلا يمكن حملها، إن صحّت، إلا على محمل التسكين الفارغ المعتاد للجنوبيين وحراكهم، بأقوال عائمة ومبهمة تخلو من التحديد، ولا تُرتِّب بالتالي أي التزام على قائلها الذي لم يسبق له أن وعد الجنوب إلا بتقسيمه هو إلى إقليمين ضمن «يمن جديد» مكون من الأقاليم الستة.
وقد أعرب لـ«الأخبار» أحد القيادات المؤسِّسة للحراك السلمي الجنوبي عن قلقه من ذلك بقوله: «أخشى أن نجد أنفسنا وقد قدمنا التضحيات وخيرة شباب الجنوب شهداء لأجل تثبيت مشروع الأقاليم الستة نفسه بواسطة الحرب بعدما رفضناه في السلم»، آملاً أن يُغلِّب التحالف الخليجي في نهاية المطاف مشروع «الحد الأدنى» المقبول جنوبياً أي الفدرالية اليمنية التي يكون فيها جنوب ما قبل أيار 1990 إقليماً واحداً.
حظوة سلفيّي «الحراك» لدى «التحالف»
تضم «المقاومة الجنوبية» العديد من العناصر السلفية المنتمي بعضها إلى «الحراك الجنوبي» منذ سنوات نضاله السلمي. وينضوي فيها كثيرون من غير المعنيين بقضية الجنوب، كسلفيي دماج وسواهم من عموم سلفية الجنوب الذين حظوا بنصيب وافر من تمويل «التحالف» وتسليحه في هذه الحرب، وكان قائدها الأبرز (وهو من مقاتلي دماج وعمران) أحد القادة الميدانيين الثلاثة في الجنوب الذين لا تتعامل قوات التحالف إلا معهم وعبرهم، وفقاً لما رشح عن أحد الضباط الإماراتيين في عدن.
كذلك، هناك مجموعات من الشباب العاطل من العمل الذين التحقوا بـ«المقاومة» طلباً للتقدير والمغانم، من دون أن ينتموا إلى أي جهة أو يتبنّوا أيّ قضية، إلى جانب عناصر من «القاعدة» و«أنصار الشريعة» و«الدولة الإسلامية» المشاركين في «المقاومة الشعبية الجنوبية»، وهي قد تلقّت من الدعم والسلاح ما يقل عن نصيب نظرائها من السلفيين، لكنه مع ذلك يزيد عمّا حظيت به «المقاومة الجنوبية» الحراكية التي تواجه حالياً تهديداً من تلك الفصائل. وبدأ الحضور العلني للمتشددين في محافظات عدن ولحج وأبين بإثارة القلق والمخاوف، لا سيما أنهم يتعمّدون إشهار ممارساتهم في ظل انفلات أمني ملموس وسوء معالجة للوضع الإنساني وغياب الخدمات العامة الضرورية، مع غياب الدولة ومظاهر سلطتها وبقاء هادي وحكومته في الرياض حتى اليوم، رغم ما أحرزه «السهم الذهبي» من اختراق مفاجئ في مسار المعارك مكّن الموالين له من الاحتفاء بـ«انتصار» مرّ على إعلانه ما يربو على ستة أسابيع، بعد السيطرة على ما يكفي من الأرض للعودة المزعومة.
نقلا عن صحيفة “الأخبار اللبنانية”