المجلس الانتقالي الجنوبي يقدِّم أكبر ميناء في اليمن إلى الإمارات بثمن بخس
تعز نيوز
مع مئات الكيلومترات من الحدود المائية على طول البحر الأحمر وشمال المحيط الهندي، والتي تمتد مثل الحزام الساحلي من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، يتمتع اليمن بمواهب رائعة للغاية في مجال الاقتصاد البحري.
وفي هذا الصدد، فإن الموانئ الإستراتيجية والجزر اليمنية الجميلة، أعطت لهذا البلد مكانةً متميزةً في المنطقة، بحيث إن هذه النعم الإلهية قد جذبت دائماً العيون الجشعة للجهات الفاعلة الإقليمية وعبر الإقليمية.
على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى الجهود المتواصلة التي بذلتها دولة الإمارات في السنوات الأخيرة، للسيطرة والاستحواذ على المزيد من هذه الثروات الإستراتيجية.
وفي الجزء الأخير من هذا العرض، أعلن عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الذي يسيطر بحكم الأمر الواقع على المناطق الجنوبية من اليمن، مؤخراً، في مذكرة موجهة إلى رئيس وزراء حكومة عدن، عزمه تسليم ميناء عدن لمجموعة موانئ دبي العالمية (DP World)، دون الإعلان عن مناقصة أو الكشف عن تفاصيل الصفقة، وهو الإجراء الذي لاقى انتقادات من قبل العديد من سكان المناطق الجنوبية.
ويرى محمد بلفخر، المحلل السياسي اليمني أن: “تسليم ميناء عدن، إحدى المصائب التي حلت بالوطن، نحن نبحث عن الاستثمار، ولكن بناءً على الأطر والقوانين الموجودة في جميع أنحاء العالم”.
وأضاف: صحيح أن شركة موانئ دبي العالمية تدير العديد من الموانئ في العالم، لكن من المؤكد أن ذلك يتم في إطار عقود تدعم سيادة وحقوق الدولة المضيفة، في حين ضاعت جميع حقوقنا، وقاموا بقطعها بأي شكل أرادوا”.
وأوضح أن هذا الميناء كان ثالث ميناء حر في العالم في توصيل وتصدير البضائع أثناء الاحتلال البريطاني، وقال: في عام 2008، تم تسليم ميناء عدن إلى هيئة موانئ دبي، وتم الكشف عن العديد من أسرار الفساد الخفية على موقع عدن برس في ذلك الوقت.
وحسب هذا الخبير اليمني، نتيجةً للاتفاقية السابقة مع موانئ دبي، فإن ارتفاع تكاليف الأجور والعمولات ونقل حاويات البضائع التي تصل إلى ميناء عدن، دفع التجار اليمنيين في عدن أو حضرموت أو تعز إلى استيراد بضائعهم عبر ميناء صلالة في عمان، ومن ثم عبر الحدود البرية، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض عدد الحاويات الداخلة إلى ميناء عدن، من 800 ألف حاوية قبل هذه الاتفاقية، إلى 146 ألف حاوية بعد تنفيذ الاتفاقية، وأشار بلفخر: كل العقود النفطية تتم (بالطريقة نفسها) دون رقابة ومحاسبة.
تجدر الإشارة إلى أنه بناءً على اتفاق 2008، الذي تم التوقيع عليه في عهد علي عبد الله صالح دكتاتور اليمن السابق، تقرّر منح 50% من إيرادات ميناء المكلا لشركة موانئ خليج عدن، و20% لشركة الإمارات، و30% لعبد الله بقشان رجل الأعمال الحضرمي. ويقال إن صالح حصل على ملايين الدولارات مقابل هذا التحويل.
وبعد ثورة 2011 وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وافق مجلس إدارة شركة موانئ خليج عدن على إلغاء عقد تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي من جانب واحد، في نهاية أغسطس 2012، وجرت محاولة اغتيال وزير النقل آنذاك واعد باذيب، الذي كان له دور في إلغاء العقد، عدة مرات عام 2012.
لكن إبعاد الأجانب عن الموارد اليمنية في حكومة الثورة جاء سريعاً، ونتيجةً لهروب الرئيس المستقيل منصور هادي إلى عدن، وشنّ التحالف السعودي الإماراتي بدعم من الولايات المتحدة عملية “عاصفة الحزم” عام 2015، أتيحت لأبو ظبي الفرصة مرةً أخرى لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية في اليمن.
كانت السواحل الجنوبية لليمن، التي تضم موانئ تنافس موانئ الإمارات العربية المتحدة، محط اهتمام حكام أبو ظبي منذ عقود، کما أن توسيع النفوذ إلى الجنوب الشرقي، وخاصةً نحو حدود سلطنة عمان، المنافس التقليدي لدولة الإمارات العربية المتحدة، کان حلماً قديماً لعائلة آل نهيان.
وبالتالي، أتاح الغزو الأجنبي عام 2015، فرصةً مثاليةً للإماراتيين لتحقيق أحلامهم في اليمن، وخاصةً أن ميناء عدن الإستراتيجي يعتبر أحد أهم الموانئ البحرية في المنطقة، والذي تعتبره الإمارات منافساً وتهديداً محتملاً لميناء دبي.
كما سيطر الإماراتيون على ميناء المخاء غرب محافظة تعز، والذي يعتبر من أقدم وأهم الموانئ التاريخية في العالم، إلا أن الجهود التي بذلتها هذه الدولة لعدة أشهر على الساحل الغربي، للسيطرة على ميناء اليمن المهم الآخر في محافظة الحديدة، باءت بالفشل في ظل وجود القوة العسكرية القوية من الجيش واللجان الشعبية.
وفي السنوات الأخيرة، ومن أجل تعزيز موطئ قدمها في عدن، أنشأت الإمارات ما تسمى قوات الحزام الأمني، التي تتکوّن بشکل أساسي من جماعات سلفية وتعمل بشكل مباشر تحت إدارة أبو ظبي، وتسيطر على مداخل عدن ومخارجها.
وفي هذا الصدد، يرى المحلل اليمني صلاح السقلدي أنه: “لم تعد هذه مؤامرةً خارجيةً أو إقليميةً أو حتى من الحوثيين (أنصار الله)، بل مؤامرة من الداخل، وأكثر مخاوفي أن يكون المجلس الانتقالي متورطاً فيها”.
وأضاف: “أتمنى ألّا يدخل المجلس الانتقالي، مهما كانت علاقاته وثيقةً مع الإمارات والسعودية، في مثل هذا الأمر، فلا يتم تضمين الموانئ والمحطات في الصفقات”.
وحمّل السقلدي النواب عدم علمهم بهذه التسليمات المهمة، وأكد أن “أي اتفاق بهذا الحجم، يجب أن يتم من خلال البرلمان، والمجلس الانتقالي خارج البرلمان تماماً”.
وفي إشارة إلى أن “القوات التي تسيطر على المشهد، هي القوات نفسها التي سلّمت ميناء عدن لشركة موانئ دبي، أوضح أن المجلس الانتقالي لا يمثّل سوى 10% من الحكومة”.
بيع الموارد اليمنية بالمزاد العلني
إن العقد الغامض لتسليم امتياز استغلال ميناء عدن إلى الإمارات العربية المتحدة، ليس العقد الوحيد المشكوك فيه لمنح الموارد اليمنية والأراضي للأجانب، من قبل مختلف القوى الموجودة في حكومة عدن التابعة والهاربة، وهناك العديد من الأمثلة المشابهة في قطاعات مختلفة، مثل النفط والاتصالات وغيرها في السنوات الأخيرة.
بعد فشل التحالف السعودي-الإماراتي في الحرب مع أنصار الله والجيش اليمني، دخل هذان الحليفان السابقان في منافسة على توسيع النفوذ والحصول علی حصة أكبر من الموارد والثروات الطبيعية في المناطق الجنوبية لليمن، وقام كل منهما بإنشاء وتجهيز نسخته الخاصة من “دولة عدن التابعة” لتعزيز مصالحه الخاصة.
حيث أنشأت السعودية ما يسمى “مجلس القيادة الرئاسي” وأنشأت الإمارات المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، ويسيطر هذان المجلسان والجماعات التابعة لهما على المحافظات الغنية بالموارد، فضلاً عن جميع الموانئ والممرات المائية الرئيسية في اليمن تقريبًا.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن “علي سالم الحريزي”، رئيس لجنة الاعتصام السلمي في المهرة (شرق اليمن)، بيع ميناء “قشن” للسعودية من قبل مرتزقة تابعين للإمارات، وقال: “أحد مرتزقة الإمارات باع ميناء قشن للسعودية ووقّع العقد، وكأن هذا الميناء ملك والده”، ويقال إنه من المفترض أن يتم تهريب حجر الجبس إلى خارج اليمن من هذا المنفذ.
كما ورد في بحث نشرته مجلة The Cradle في يونيو/حزيران 2023، حديث عن عمليات سرقة واسعة النطاق لموارد النفط والغاز اليمنية من قبل الإمارات والسعودية وحتى الولايات المتحدة، ووفقاً لذلك، ففي حين ارتفعت صادرات اليمن النفطية من 6.672 ملايين برميل في عام 2016، إلى 25.441 مليون برميل في عام 2021، فإن معظم سكان هذا البلد محرومون من الوصول إلى مواردهم.
وبناءً على هذا البحث، نشر موقع “إيکاد” الإخباري في مارس 2023، فيديو استقصائياً حول تفاصيل سرقة النفط اليمني، وكان محور التحقيق ناقلة نفط تحمل اسم (Gulf Aetos)، والتي تحركت أولاً من الإمارات إلى ميناء “بير علي” جنوب اليمن، وتم تحميلها هناك، ومن ثم أفرغت النفط في ميناء عدن.
واستمرت هذه السفينة لمدة 30 يوماً بعملية التحميل نفسها في ميناء بير علي والتفريغ في ميناء عدن، وأخيراً واصلت رحلتها باتجاه ميناء خور الزبير العراقي، وأفرغت وقودها هناك.
وحسب موقع إيکاد الإخباري، يُعرف هذا الميناء العراقي بأنه المركز الدولي لإعادة توزيع النفط المهرب، ويظهر هذا البحث أن سنغافورة والولايات المتحدة هما الوجهتان الرئيسيتان لتصدير النفط المهرب من هذا الميناء.
وحسب هذا البحث، فإن عائدات النفط المهرب تقسَّم بين السعودية والإمارات، الشريكتين في التحالف العربي، وفي هذا التقسيم، تكون حصة الإمارات أكبر، لأنها تسيطر على 12 ميناءً يمنياً من شرق هذا البلد إلى غربه، وهذا يجعل أبوظبي تسيطر عملياً على تصدير وتوزيع النفط والغاز.