هل تقسيم المملكة العربية السعودية آتِ؟!
مَن يقرأُ الوثيقةَ التي قام بتسريبها الكاتبُ الصحافي المعُادي للصهيونية العالمية “إسْرَائيْل شاحاك” والتي كشفت عن مخطَّط من الثمانينيات من القرن الماضي لتفتيت وتقسيم منطقة الشرق الأوسط وبعض البلدان العربية والإسْــلَامية إلَـى دويلات على أسس دينية وعرقية ومذهبية لضمان أمن إسْرَائيْل على المدى القريب والبعيد، يدرك أن المخطّط يتم بل ويجري على قدم وساق كما هو مرسومٌ له في هذه الوثيقة الجهنمية التي اتخذتها إسْرَائيْل ورقة عمل لها، حيث اشارت الوثيقة وقتها إلَـى تقسيم سوريا ولبنان والعراق والـيَـمَـن ومصر والسودان وليبيا، بل والأخطرُ من ذلك أن هذه الوثيقة اشارت إلَـى تقسيم المملكة العربية السعودية ذاتها! حيث جاء في الوثيقة: “أن دول مثل ليبيا والسودان والدول الابعد منها لن يكون لها وجود في صورتها الحالية، بل ستنضم إلَـى حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر، فإذا تفككت مصر فستتفكك سار الدول الأُخْــرَى، وان فكرة انشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا إلَـى جانب عدد من الدويلات الضعيفة التي تتمتع بالسيادة الإقليمية بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة اليوم هي وسيلتنا لإحداث هذا التطور التأريخي، كما أن تفتيت لبنان إلَـى خمس مقاطعات إقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية “، إلى هنا انتهى الاقتباس من بعض مما جاء بالوثيقة، لنؤكد أن معظم ما جاء بالوثيقة المسربة من الثمانينات حدث ويحدث بحذاقيره الآن، ولولا ثورة 30 يونيو 2013 التي انتفض فيها الشعب المصري العظيم بكل مكوناته للإطاحة بجماعة الإخوان وعزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم لكانت الأَوْضَــاع الآن أَكْـثَـر رعبا ودموية وفوضى وحروب اهلية واقتتال في الشوارع، وما كانت سوريا العظيمة الشقيقة على الحال التي هي عليها الآن بل كان مصيرها سيكون مثل مصير ليبيا والسودان، ولكانت وتيرة العنف والإرْهَــاب والدم في الـيَـمَـن والعراق الشقيق أَكْـثَـر مما هي عليه الآن، فالثورة المصرية اربكت مخطط تقسيم المنطقة وأصابت المخطط الصهيو أمريكي في مقتل، وكشفت الوجه القبيح لجماعات الإسْــلَام السياسي المتاجرة بالإسْــلَام، هذه الجماعات التي أَصْبَـحت من اخطر الأدوات في يد الإدَارَة الأمريكية وإسْرَائيْل والدول المتحالفة معهما لإتمام المخطط فعلياً على الأرض بأقل تكلفة وعتاد.. فالحروب بالوكالة هي حروب متطورة وتتخذ أشكالاً كثيرة ومتغيرة كُلّ يوم كالحرب الالكترونية والإعلامية والمذهبية والطائفية وحرب الشائعات أَوْ باختراق مؤسسات الدولة بمسئولين فاشلين أَوْ مرتزقة أَوْ عملاء أَوْ فاسدين متروكين بلا مساءلة ولا محاسبة، نأتي للسؤال الأهم هنا: هل تقسيم المملكة العربية السعودية آت آخر! والإجابة على هذا السؤال يتوقف على سيناريوهان لا ثالث لهما، السيناريو الأول وهو الاقرب للواقع الملموس الآن هو سقوط وتفكك وانهيار مملكة آل سعود وتقسيمها، ومحاكمة العائلة المالكة ومصادرة ممتلكاتها وإيداعها في السجون إن لم تستطع الهَـــــــرَب بعد تخلي حلفاؤها الاستراتيجيين عنها في مشهد دراماتيكي خطير وغير متوقع بالنسبة لآل سعود ولكنه متوقع في السياسة والثورات! وهذا السيناريو أَوْ الاحتمال سيصبح حقيقة واقعة من خلال استمرار مخطط المملكة العربية السعودية الاستراتيجي في دعم الجماعات التكفيرية والجيوش الحرة والمعارضة المسلحة في البلدان العربية مثل سوريا والـيَـمَـن والبحرين ومصر وليبيا والعراق ولبنان، ومواصلة المملكة في تأجيج الحرب المذهبية والطائفية بالمنطقة بالمال والسلاح والآلة الإعلامية لإسْــقَاط المنطقة العربية برمتها في هوة حرب مذهبية ودينية ستكون المملكة هي اول المكتوين بنارها وأول ضحاياها ودافعي فاتورتها، فالحرب السنية الشيعية هي الحرب المخطط لها الآن لإسْــقَاط المنطقة وتسليمها تسليم لصالح الإدَارَة الأمريكية وإسْرَائيْل وبعض القوى المتحالفة معها عُضوياً، وهي حرب مرفوضة أَخْـلَاقياً ودينياً وإنْـسَـانياً وقد قال التأريخ كلمته فيها بعد أن جرب العالم ويلات الحروب المذهبية في الكنيسة في العصور الوسطى وما خلفته من ضحايا ودماء باسم الدين والدين بريء منها، ومواصلة المملكة العربية السعودية في دعم الصراع المذهبي والطائفي في المنطقة بحجة حماية الإسْــلَام جريمة كبرى تفتت الأمة الإسْــلَامية والعربية ولا توحّدها، فالسنة والشيعة مسلمون ومؤمنون وباعتراف فضيلة الدكتور احمد الطيب نفسه شيخ الأزهر الشريف في جامع الازهر بالعاصمة الاندونيسية جاكرتا حيث حيث أكّد الطيب في كلمته أن السنة والشيعة هما جناحي الامة الإسْــلَامية ويجب أن يعيشوا في سلام وأكّد على أَهَميَّـة العيش المشترك بينهم، بل وصلى بجوار المرجعية الشيعية اللبنانية ليقدم نفسه قدوة وعظة قبل أن يكون واعظاً!، وإنني أرى أن المملكة الآن تسير بسرعة الصاروخ نحو الهاوية باعتمادها سياسات منفلتة وانفعالية وغير متوازنة في سوريا والعراق والـيَـمَـن ووصل التخبط ذروته عندما رأينا بأم عيوننا وسمعنا بأذاننا تجييش المملكة لبعض الدول والموالين لها ضد حزب الله اللبناني الذي يعد أحد أهم أَصْوَات المقاومة ضد الكيان الصهيوني الغاشم ويعتبر واحداً من صمامات الامن والاستقرار في لبنان واحد الداعمين لوحدتها في مواجهة المخطط ” الصهيوأمريكي السعودي”، وقد اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً في محاولة منه لنفض يديه من جرائمه قبل مغادرة البيت الابيض قائلاً: إن الحروب والفوضى بالشرق الأوسط لن تنتهي إلَـى أن تتمكن السعودية وإيْــرَان من التعايش معاً والتوصل إلَـى سبيل لتحقيق نوع من السلام ” ويبدو أن أوباما تعامي وتجاهل وتغاضى عبر تصريحه هذا أن الإدَارَة الأمريكية هي التي صنعت ودعمت مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة وموّلت، وقد اعترف المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب بذلك وقال: “أوباما هو من مول وصنع داعش ” وبالطبع مولها وصنعها عبر داعمين له ولسياساته في المنطقة وأول هؤلاء هم آل سعود، وتركيا وقطر، وبالتالي فالمملكة السعودية أَصْبَـحت الآن جزء من المؤامرة على ذاتها اولا وعلى المنطقة العربية ثانيا، بسبب دعمها اللامتناهي للتطرف والإرْهَــاب والجماعات التكفيرية في سوريا والـيَـمَـن والعراق والبحرين وتأجيج الصراع المذهبي في المنطقة العربية كلها، والتدخل السافر في شئون الدول العربية وسيادتها، فالمملكة التي تمول الإرْهَــاب الآن من جيوب المواطن السعودي الشقيق تصرف ببذخ شديد لشراء داعمين وموالين لمواقفها الإجْـرَامية من مقاولي الفتنة والتكفير والدم والإرْهَــاب وبعض الأَصْوَات الزاعقة الناعقة من بلدان عربية وبعض السياسيين والمسئولين الذين باعوا ضمائرهم وجعلوا إرادتهم رهن إشارة آل سعود، وكل ذلك يصب في زيادة العجز في ميزانية المملكة وما يترتب عن ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية بالغة ستلحق بالشعب السعودي الشقيق نفسه، في الوقت الذي يشهد فيه السوق العالمي تراجعا ملحوظا في أَسْـعَـار النفط، كما أن هذه السياسات ستلحق بالداخل السعودي ذاته الذي ربما يشتعل قريباً وقد يؤثر على زيارة كثير من المسلمين حول العالم للملكة لأداء مناسك الحج والعمرة وهو الأمر الذي سيلحق أَكْــبَــر ضرر اقتصادي بالمملكة الذي يعتبر الحج بالنسبة لها أحد اهم بنود الدخل القومي، ومن المؤكد لو استمرت المملكة في هذه السياسات المتخبطة ستشتعل ثورة داخلية قد تتطور إلَـى حربا مذهبية أولاً ثم شعبية تطيح بآل سعود عن الحكم وربما تتقسم المملكة ويتم تغيير جغرافيتها واسمها أيضاً، ولو اخذنا العُـدْوَان السعودي على الـيَـمَـن الشقيقي سنجد أنه يمثل نموذجا صارخا يتنافى مع كُلّ القيم والأعراف الإنْـسَـانية والقانونية وهو وحده كفيل بتقديم آل سعود لمحاكمة جنائية دولية إن عاجلا أَوْ آجلا ً، فلم يكتفِ النظام السعودي بتمويل ودعم جماعة الإخوان وبقية الجماعات التكفيرية في الـيَـمَـن فحسب بل شاركت بقواتها وحلفاؤها في ضرب الـيَـمَـن وتحويله إلَـى مناطق خربة وإزهاق ارواح الاطفال والشباب والشيوخ والنساء من المدنيين العُزَّل، فالحربُ السعودية على الـيَـمَـن والتي تمت بدعم أمريكي في عملية “تحرير عدن” حول عدن وجنوب الـيَـمَـن إلَـى خرابة وفوضى بعد معارك مع الجيش الـيَـمَـني واللجان الشعبية وسلمها تسليم مفتاح إلَـى القاعدة وداعش مثلما حدث في ليبيا بالضبط، التي اطيح برئيسها معمر القذافي بثورة ودعم أمريكي وهذا باعتراف هيلاري كلينتون نفسها التي أكدت أن أمريكا وقفت وراءَ التخلُّص من معمر القذافي.
أما بالنسبة للسيناريو الثاني أمام مملكة آل سعود فهو سيناريو “العودة إلَـى الرشد ” وهو سيناريو سيجنب المملكة وشعبها ويلات حروب مذهبية طاحنة وسيكون أحد أهم وأخطر الأسلحة في إخماد نيران مخطط التقسيم في المنطقة ويتم هذا السيناريو عبر اتخاذ مملكة آل سعود قرار تأريخياً وإنْـسَـانياً بالمطالبة بمصالحة تأريخية بين السنة والشيعة والاتفاق على كُلّ ما هو مشترك بينهما ونبذ الخلافات والفتاوى التكفيرية والدموية والاقصائية التي تؤجج الصراعات والحروب، وأدعو مصر أن تكون وسيطاً فاعلاً في دعم هذه المبادرة من خلال قوتها وثقلها الإقليمي في المنطقة وعبر أزهى الشريف في محاولة لجمع شمل الامة العربية والإسْــلَامية التي أَصْبَـح الآن التقاتل والتناحر والدم والصراع المذهبي أحد أَبْــرَز ملامحها وأتوقع أن إيْــرَان لم ولن تمانع في هذه المصالحة التأريخية، التي ستكون بمثابة الضربة القاضية لمخطط التقسيم في المنطقة وعوده الدول العربية إلَـى الخريطة الدولية، كما يجب أن تتبنى المملكة مشروعاً لتطوير الخطاب الديني ليكونَ خطاباً عنوانه السلام والمحبة والتعايش وان يكون منبعه الإسْــلَام الحقيقي وليس إسْــلَام آل سعود.
خَـاصَّــة وأن هناك فتاوى وهابية تسيءُ للإسْــلَام والمرأة والسلام وتحض على التكفير والقتل والدم، خَـاصَّــة وأن بعض المحللين أكدوا أن الرئيسَ الراحل محمد أنور السادات قتل بسبب فتوى سعودية صادرة عن الشيخ عبدالعزيز بن باز.
بقلم: جرجس بشرى *
كاتب وحقوقي وسياسي مصري