كمين جباليا ومصير الصراع
إيهاب زكي
وتظن أنك الصياد، ولا تدري أنّك الفريسة، بل فرائس وقعتم في عرين أسود، لا تعرفون أيّكم قتيلًا وأيّكم جريحًا وأيّكم أسيرًا، ولا تدرون أنّكم وبمجرد دخولكم العرين تصبحون الطرائد، مهما امتلكتم من أنيابٍ ومخالب. ويجب أن يُضاف لمنهجكم الدراسي في الكليات العسكرية، مادّة لتعليمكم استراتيجية تجنب عرين “القسّام”، مهما كانت الظروف، فهذه محظورات استثنائية، لا تبيحها أيّ ضرورات.
رضوخًا للقاعدة الأميركية الشهيرة، سنحارب حتّى آخر يهودي، كما سنحارب حتّى آخر أوكراني، وقريبًا قد تترسخ قاعدة سنحارب حتّى آخر تايواني، رضوخًا لهذه القاعدة يرسل نتنياهو جيشه للتهلكة بأوامر أمريكية، لأنّ الإمبراطوربة لم تستطع بعد استيعاب هزيمتها أمام أضعف حلقات محور المقاومة في غزّة.
في توقيتٍ لافت، خرج الناطق باسم كتائب “عز الدين القسّام” أبو عبيدة، ليعلن عن عمليةٍ مركبةٍ انتهت بقتل وجرح وأسر جميع أفراد القوّة الصهيونية المستَدرَجة، وكأنّ كتائب “القسّام” أصرّت على بثّ الخطاب في ذات يوم العملية مهما تأخر الوقت، لتدلل على أنّها تدير المعركة بأعلى درجات الجهوزية والانضباط، وأنّ القيادة والسيطرة لا زالت تعمل بكفاءةٍ مبهرةٍ بعد 233 يومًا من العدوان الهمجي، وعشرات آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ.
هؤلاء الجنود الذين أرسلهم نتنياهو ليبحثوا عن جثث القتلى ممن أُسروا يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصبحوا أسرى يحتاجون من يأتي ليبحث عنهم، ولكن نتنياهو سيكون أكثر من يهتم لإيجادهم، وذلك حتّى يقتلهم، فالقاعدة المعمول بها في عقيدة الكيان، أنّ “الإسرائيلي القتيل أقل ضررًا من الإسرائيلي الأسير”.
وكان السابع من تشرين الأول/اكتوبر يوم سبت، كما كان كمين جباليا وأسر الجنود يوم سبت، وهذه لعنة السبت التي تلاحق الكيان، لم تتوقف منذ أن كانت تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم، ولن تتوقف حتّى الزوال الأبدي، كما أنّ الكمين وافق يوم الخامس والعشرين من أيّار/مايو، عيد تحرير الجنوب اللبناني، يوم اندحار الكيان المؤقت، وكان بمثابة أول مسمارٍ في نعش الكيان، حيث انتهى عصر الهزائم وولّى، وبدأ عصر الانتصارات.
كما جاء الإعلان عن الكمين في اليوم الذي يتحدث فيه العدوّ عن محاولات إحياء عملية التفاوض، أيّ أنّ المقاومة تفاوض من موقع القوّة والاقتدار، وبالأحرى لا تغريها العودة لطاولة المفاوضات، بل يثيرها الإثخان في العدوّ أكثر، وأنّ العدوّ ليس في مكانٍ يخوّله فرض الشروط، أو في موقعٍ يعطيه أفضلية الاختيار، بل إنّ كلّ ما عليه هو الانصياع لما ارتضته المقاومة وما قبلته “حماس”.
كان الكثير من المحلليين العسكريين والسياسيين يتساءلون، عن عدم أسر أيّ جنديٍّ صهيونيّ على مدار أشهر الحرب، وهل كان ذلك عجزًا أم تخفُفًا؟ حيث إنّ المقاومة لديها الكثير من الأسرى أولًا، فلا تريد أن تزيد على نفسها عبء أسرى جدد ثانيًا، عبء إطعامهم وتأمينهم وحمايتهم من غدر وشرّ بني جنسهم.
وأيًّا كانت الإجابة، فإنّه يجب على العدوّ إدراك الكارثة التي في انتظاره، حيث لو أنّ عدم أسر المقاومة لجنودٍ جدد منذ بدء العدوان كان عجزًا، وتغلبت المقاومة على عجزها وأصبحت مقتدرة، أو كان عدم الأسر تخففًا من الأعباء المترتبة، وأصبح الأسير الآن ليس عبئًا، مع هذا الواقع يصبح وقف الحرب فورًا، هو الخيار الذي فيه منجاة الكيان حصرًا، لأنّ هذه المقدمات تنبئ بنتائجٍ كارثيةٍ أشدّ وأنكى، في حال الإصرار على مواصلة الحرب.
ولكن يبدو أنّ العدو في حالة إنكارٍ وإصرارٍ على حماقاته، حيث بمجرد انتهاء كلمة أبو عبيدة، خرج الناطق باسم جيش العدوّ نافيًا حدوث عمليات اختطاف جنود، أو الوقوع في كمينٍ من أصله، حتّى تساءل المستوطنون، ألم يَر الناطق الفيديو الذي بثته “القسّام”؟ والحقيقة أنّه رأى وسمع، لكنه “استخف قومه فأطاعوه”.
وعلى كلّ حالٍ فإنّ كمين جباليا سيكون محطة فارقة في هذه الحرب، وأنّه سيكون الشاهد على هزيمة الكيان كله جيشًا وقيادةً ومستوطنين، هزيمة مادية ومعنوية، وسيكون الشاهد على انتصار غزّة وعلوّ كعب المقاومة وعبقرية “القسّام”، إنّ قضيةً لها مقاومة على رأسها “القسّام” لن تُهزم، وإنّ قضيةً لها حلفاءٌ كحلفاء “القسّام” في لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران ستنتصر يقينًا.