من مفارقات “طوفان الأقصى”.. أميركا تستنجد بالسعودية!
اسماعيل المحاقري
لا نقاش في هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على القرار السعودي، وقيادتها لموجة التغيير الجارفة للقيم والمبادئ الدينية والأخلاقية. فبعض الأنظمة الخليجية في المنطقة وجدت لخدمة المشروع الأميركي وحماية أمن الكيان الصهيوني ولها دور وظيفي في إثارة النزاعات الداخلية وتمويل ودعم الجماعات التكفيرية في كثير من البلدان الإسلامية، لنشر الفوضى وتعميق الانقسامات وصولًا إلى خوض الحرب بالنيابة عن أميركا في اليمن. وهنا يكفي التذكير بمقولة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب “لولا السعودية لكانت اسرائيل في ورطة” لتأكيد المؤكد وإزالة الغشاوة عن أعين من لا يبصرون نور الحق والبصيرة.
لسنا في هذا المقال بصدد إثبات الموقف السعودي المخزي بل والمتآمر على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، فالحقائق ساطعة كسطوع الشمس ولا يخفيها غربال التطبيع شرط “حل الدولتين”.
ما تريده السعودية من واشنطن للحاق بركب المطبعين ودخول الحظيرة الإسرائيلية من أوسع أبوابها، لا علاقة له بالقضية الفلسطينية وإن حضر اسمها، بل الهم الأكبر لابن سلمان هو تأمين وصوله للحكم وضمانة الحماية الأميركية لحكمه، بالقدر الذي يحظى به الكيان الإسرائيلي. وتلك أماني وأوهام لن تتحقق ولا يبدو أنها ستتحقق حتّى لو خصصت كلّ عائدات أرامكو للبيت الأبيض.
في العدوان على اليمن، لطالما استنجد النظام السعودي بالأميركيين لحمايتهم وتعزيز ترسانتهم التسليحية وتقوية الدفاعات الجوية في المناطق السيادية ومنابع النفط والثروة، ولطالما اشتكى هذا النظام من التهاون وعدم الجدية الأميركية في الحد من التهديدات اليمنية.
وبالإعلان اليمني عن المشاركة العسكرية في طوفان الأقصى لمساندة الشعب الفلسطيني وفرض حصار على الموانئ المحتلة، رفضت السعودية المشاركة العلنية في تحالف “حارس الازدهار” على أمل الهروب من عار الخيانة ودعم جرائم حرب الإبادة الجماعية في غزّة، قبل أن يعود الحديث عن حاجة الجيش الأميركي للأجواء السعودية والإماراتية لشن الاعتداءات على اليمن بعد أن فشلت كلّ محاولات الاستهداف من البحر بالمدمرات والبارجات الغربية التي انسحب أكثرها من مهمة منع العمليات اليمنية البحرية من ضرب أهدافها وتثبيت المعادلة الأهم.
الأنباء غير المؤكدة عن فتح السعودية أجواءها للطائرات الأميركية لتقوية عملياتها العدائية ضدّ اليمن، وتسهيل مهمّة حماية السفن الإسرائيلية، أعادت تسليط الأضواء على علاقة واشنطن بالرياض، المبنيّة على قاعدة “الدفع مقابل الحماية”، مع قدر كبير من الامتهان والإذلال والابتزاز للإستفادة القصوى من الضرع الحلوب في بلد يعوم على بحيرة من النفط.
انقلاب في الصورة، هذا ما يتضح كنتيجة من نتائج صمود غزّة وتشابك محور الجهاد والمقاومة. ومما لا شك فيه، أن ابن سلمان مستبشر بهذه النتيجة حتّى الآن، فاليمن بعملياته المتصاعدة في البحر الأحمر والمحيط الهندي وصولًا إلى البحر المتوسط يفرض على الولايات المتحدة العودة إلى الرياض مرارًا وتكرارًا، لبحث وسائل الدعم السعودي الممكن للتحالف الأميريكي.
وإذا كان بمقدور السعودية تعميم حالة التخاذل العربي والإسلامي عن نصرة فلسطين وترك الشعب الفلسطيني لقدره، فالمطلوب منها أميركيًا التحضير لإعادة الإعمار في غزّة وتسهيل مهمّة حماية أمن الكيان وملاحته التجارية، وهذا يعزز من حقيقة أنه لولا الأنظمة المطبعة لانتهت حقبة الوجود الأميركي من المنطقة وزالت “إسرائيل” من الوجود.