المافيات التركية تتلاعب بحياة السوريين بتواطؤ رسمي
’العهد’ يكشف:
علي حسن
كما ركب السوريون على مدى سنوات الحرب الظالمة هذه مُجبَرين، الموت رصاصاً وتفجيراً وقذائف وخطفاً وإرهاباً، ركبوا مُجبَرين أيضاً قوارب الموت، ركبوا المياه المالحة التي لا تحلو لذائقها الهارب مهما كانت أحلامه البريئة قادمة من رحم المعاناة، بل تُصبح مُرة كالعلقم، قاسية غدارة لا تأبه لطفل أو لامرأة حامل… أما شبكات “التهريب البشري” التركية الممتطية للبحر من جهة ولأحلام المهاجرين السوريين فهي الرابح الأوحد في معادلة المعاناة السورية.
الحرب الظالمة على سورية، والإرهاب الناشط في أرضها جعل بعض السوريين فريسة سهلة المنال لشبكات تهريب البشر والمتاجرين بأرواحهم. ليس مهماً بالنسبة لمافيات التهريب التركية موقفك السياسي كسوري وليس مهماً إن كنت إرهابياً أم مواطناً مظلوماً عانيت المرارة من تنظيمات إرهابية لا تعرف الرأفة .. المهم أن تدفع المطلوب منك قبل أن تركب الموت من شواطئ إزمير أو بودرو التركيتين إلى جزيرتي كيوس أو ماتاليني اليونانيتين، ليس مهماً أيضاً إن وصلت سالماً إلى شواطئ اليونان أم ابتلعك البحر الذي لا يرحم ضحاياه.
السماسرة .. المافيات التركية
أحد المهاجرين السوريين الذين عادوا الى سوريا مؤخراً تحدث لموقع “العهد الإخباري”، يقول: المهم هو الوصول إلى مدينة إزمير التركية معقل السماسرة والمهربين، يتقاضى المهرب التركي مبلغ 1200 دولار عن كل سوري مقابل مساعدته على تجاوز مسافة تسعة كيلومترات من إزمير التركية إلى كوس اليونانية في قارب مطاطي (بلم) طوله ستة أمتار يستطيع نقل أربعين مهاجراً فقط.
ويُضيف: المهاجر السوري لا يرى المهرب التركي ولا يتواصل معه أو يتحدث إليه إلا لحظة صعوده قارب الموت فقط، علاقته واتفاقه مع السماسرة وأبرزهم أبو يعرب الشامي أو أبو أكرم الحلبي. ساحة بسمانة في إزمير، هي الساحة التي يعقد فيها المهاجرون اتفاقاتهم للهروب بحراً نحو اليونان. هناك يوجد مكتبا تأمين رئيسيان هما الرشيد والساحة حيث تُسلم المبالغ التي يدفعها المهاجرون. وعندما يصل هؤلاء يحصل المهرب على المبلغ الاجمالي بعد أن يقتطع المكتب مبلغ خمسين ليرة تركية عن كل مهاجر.
الموت بالرصاص أو قوارب الموت
يكشف هذا المهاجر وهو من مدينة حلب واستقر حالياً في العاصمة دمشق أن المهرب التركي لا يخاطر بحياته في ركوب القارب بل يكلّف أحد المهاجرين ممن تظهر عليه ملامح الجرأة لقيادة القارب، لكن المهرب أيضاً يعيد له المبلغ الذي دفعه لمكتب التأمين 1200 دولار كتشجيع له على تولي المهمة. هذا الأمر يفسر حوادث الغرق الكثيرة التي تحصل جراء عدم خبرة قائد القارب (المهاجر) عند حصول أي طارئ في الأمواج أو عطل فني أو أي خلل في الرحلة.
ويُتابع: في حال اعترض احد المهاجرين ورفض ركوب القارب بسبب حمولته الزائدة يُشهر المهرب سلاحه في وجهه ويرغمه على ركوب القارب. لأن عدم ركوب أحد المهاجرين للقارب يعني خسارة المهرب للمبلغ الذي دفعه لمكتب التأمين. مهما كانت الرحلة خطيرة، ليس للمهاجر أي خيار إما ركوب القارب أو الموت برصاص المهرب لأن المكان ناءٍ تماماً في شاطئ مهجور بعيد عن خفر السواحل التركي والذي لا يقترب من المكان مهما حصل رغم علمه به وهو شكل من أشكال التواطؤ بين السلطات التركية وشبكات التهريب.
تواطؤ السلطات التركية
ثمن القارب المطاطي الذي ينقل المهاجرين بالكاد يبلغ 4500 دولار، يقوم بنقل ستين شخصاً في العملية الواحدة أي تكون أجرة العملية الواحدة 72000 دولار، ليس مهماً بالنسبة للمهرب إن غرق المركب بمن فيه، الربح الفاحش مضمون في كل الأحوال. يروي أيضاً أن مجموعة من المهاجرين السوريين اشتروا قارباً مطاطياً بأنفسهم بهدف استخدامه ضمن الطاقة الاستيعابية النظامية والآمنة فقام أحد المهربين بإخبار خفر السواحل التركية الذي قام باعتقال جميع المهاجرين الذين اشتركوا في عملية شراء القارب. هي عملية احتكار مطلقة لركوب البحر، لا يُسمح لأي كان بالقفز فوق مافيات التهريب التركية. عندما تكون الرحلة برعاية مهرب تركي يحصل تواطؤ واضح مع خفر السواحل لتجاهل مكان تجمع المهاجرين وتجاهل قاربهم الذي ينطلق في عرض البحر دون أن يراه خفر السواحل.
خيارات أخرى
ثمة طرق أخرى للهجرة عبر قارب “جيت بوت” وهو أكثر أماناً من القارب المطاطي بتكلفة 1800 دولار للمهاجر الواحد، أو عن طريق يخت سياحي بتكلفة 2200 دولار هو الأكثر أمانا، لكن الرحلة في هذا القارب قد تكون طويلة وتستمر أياما عدة، كونه باهظ الثمن وخسارته مكلفة جداً لذلك يتحين أصحابه الفرصة المضمونة للاقتراب من الشواطئ اليونانية دون أن يراه خفر السواحل اليوناني بما يضمن عدم مصادرته.
الدليل الترويجي الأقوى للمهاجرين السوريين هو مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتم من خلالها الترويج للرحلات وتوقيت انطلاق القوارب المطاطية ومن هذه المواقع صفحة على الفيسبوك تحمل اسم “كراجات المشنططين” وهي دليل المهاجر.