متى تتكسر “عواصف” السعودية؟
تتسبب العواصف عادة بتدني مستوى الرؤيا، إلا أن هذه القاعدة لا تنطبق على متابعي عواصف المملكة السعودية.
تتكشف لمتابعي عواصف المملكة -الرعدية الحازمة والمضيئة بالأمل في وقت واحد- أنها تنبع من منخفض فكري يعصف بالعالم الإسلامي. لهذا المنخفض بؤرتين يعصف منهما التطرف: السعودية وداعش.
نجحت المملكة على مر العقود بتمويه تطرفها والظهور بمظهر عصري إلى حد ما، إلا أن سفينة المملكة تشارف على الغرق، والعالم يجري بما لا تشتهيه. الماء المالح يداعب اقدام القوم، الأشرعة مهلهلة، الاصلاحات تحتاج إلى العمل. العمل؟ التفكير؟ التراجع؟ لا وألف لا. هناك خطة افضل، ستوقف المملكة غرقها بسلسلة من الخطط المحكمة: عواصف الهستيريا.
إلا أن تنفيذ هذه الخطة يهدد بسقوط القناع العصري عن وجه المملكة، وهذا هو ما حصل في اليمن وسوريا.
هبت أخر عواصف المملكة على لبنان قبل أيام. تحمل هذه العاصفة العديد من العلامات التي توضح مصدر جميع العواصف: الوهابية التكفيرية.
تماما مثل داعش واخواتها، ترى المملكة ان من لم يكفر الكافر فهو كافر، ومن لا يتبع اوامرنا (السلف السعودي الصالح) فيجب التبرؤ منه، بل وإقامة الحد عليه. أنه التكفير السياسي وهو اساس ومبرر التكفير الديني الوهابي منذ أن تم نشر هذا المذهب.
اصطفت بيادق المملكة من خلفها: “لقد حان وقت العمل”. أعادة أنتاج مسلسل كواسر العروبة. (كواسر على العروبة) كما حصل مرارا خلال العقود الماضية. سوريا العربية ليست عربية بالنسبة لهم “سندمرها”. فلسطين العربية ليست عربية “اين؟ ما هي فلسطين؟”، اليمن ليس عربيا “أعدو الطائرات” ، فقط هي أهواز العربية “أنها مهمة، سنذيق سكانها الشيعة المحرومين طعم ديمقراطيتنا البحرينية والسعودية”.
“كما لابد من تثقيف لبنان بقواعد الإتكيت، لا بد من ارسال بعض الأشخاص الصالحين لإرشاد هذا البلد على افضل طرق الاعتذار المقبول، للقيام بذلك نحتاج إلى كاميرات اعلامية مصوبة نحو لوح ابيض كبير يحمل اعتذارا شاعريا وخانات فارغة للتواقيع. ثم يأتي الجزء الرخيص من الدرس الإتيكيتي: الكومبارس، اشخاص يرتدون بدلات وربطات عنق، يتقدمون الى اللوح وعلامات الحزن تعلو وجوههم، الأكتاف منحنية إلى الأمام، الركب قريبة من بعضها عند المشي، الأيادي ترتجف ندما وتتجه نحو “لوح الغفران” لتوقع وتغادر القاعة قبل أن تتمكن منها مشاعرها وتنهار باكية. هذا كفيل بأن يعيد الرشد إلى لبنان الصابئ، سيتوب عن الكفر السياسي ويعود إلى دين الآباء والأجداد”.
لا يخفى على أحد أن المملكة نعاني من ترهل دماغي وكسل فكري شديد. فعلى سبيل المثال قامت المملكة بأعادة تطبيق السيناريو الأفغاني في سوريا، وفي اليمن قامت باستخدام الوصفة العسكرية الإسرائيلية الفاشلة في حروبه على لبنان وغزة. بالتالي فإنه ليس من المستبعد أن تقوم المملكة بنسخ الرد الروسي على اسقاط الطائرة من قبل الأتراك وتطبيقه في لبنان. حتى أن بعض وسائل الأعلام المحسوبة على السعودية استخدمت نفس المصطلح الذي استعمله الروس في الإشارة إلى حادثة اسقاط الطائرة: “طعنة في الظهر”.
إلا أن المملكة لا تتعلم من أخطائها ولا تدرك حجمها الحقيقي. أن المملكة سوق صغير مقارنة مع سوق كالسوق الإيراني الذي سال له لعاب العالم بعد الاتفاق النووي. أما وعود المساعدات السعودية الفارغة فإنها لا ترقى إلى جزء صغير من المساعدات التي قدمتها إيران لحلفائها في المنطقة كسوريا والعراق مثلا. كما أن الأهم هو أن المساعدات الإيرانية ليست مرتبطة بتسليم الكرامة والتبعية.
وأخيرا، لا شك بأن حلفاء المملكة يتابعون رد فعلها بقلق. من سيكون التالي؟ ومن سيكفر سياسيا بعد لبنان؟ ” هل من الأفضل لنا أن نقفز من السفينة؟”
لقد فقدت المملكة الكثير بسبب سياساتها الانفعالية ويكمن رهانها في أن تكون أخر الصامدين. إلا ان اشرعة السفينة المهلهلة لن تصمد طويلا أذا استمرت العواصف الهستيرية تعصف بهذه الشدة.