مملكة الكرا هية
تعز نيوز
مملكة الكرا هية
العنوان لـ دور جولد مؤلف كتاب (مملكة الكراهية) الذي قدّم قراءة نفسية للسلوك التاريخي للوهابية السعودية، وتوصل الى أن هذه الدولة مؤسسة على كراهية دينية، تصنّف الآخر بما في ذلك المسلم في قائمة الاعداء، وهو تصنيف مشفوع بتبرير ديني، وهو وراء شن الحروب وغزو المناطق منذ انعقاد التحالف بين الوهابية وآل سعود. يقول إن الغارات القبلية باتت تتم بوصفها فريضة دينية، فما كان يؤخذ باعتباره غنيمة قبلية أصبح الآن يفرض باعتباره خمساً. لقد شرعنت الوهابية الجهاد ضد المسلمين لأول مرة في التاريخ الاسلامي، وإن قتل أولئك الذين رفضوا الانضواء تحت واعتناق العقيدة الوهابية وبالتالي السيادة السعودية ومصادرة ممتلكاتهم يعتبر عملاً محموداً ومندوباً.
إن سمة الشرك التي ألصقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من بعده بكافة السالكين لغير طريقته انطوت على شحنة كراهية هائلة. تماماً كما أن تدمير قبور الصحابة وزوجات المصطفى باعتبارها أماكن لممارسة الشرك بحجة التوسل بها من غير الله، وهكذا هدم المساجد والآثار التاريخية في أهم بقعة في تاريخ البشرية وتغيير معالم المدينتين المقدّستين بحجة التوسعة أو إزالة آثار الشرك أو المؤدية اليه، لم تكن سوى تجسيدات لنزعة الكراهية المؤسسة على خلفية دينية.
ومن الناحية التاريخية، فحتى وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1791 كانت ذراع الوهابية السعودية قد امتدت الى أقصى الخليج، فكانت عمان والبحرين تدفعان الجزية، وفي عام 1803 سقطت مكة المكرمة تحت حكم الوهابيين ومن ثم أجزاء من العراق. لقد كانت حرباً شرسة يفقد فيها الرجال والنساء والاطفال أرواحهم، وتصادر فيها ممتلكاتهم، ولا ترعى فيها حرمة ولا تصان فيها كرامة.
إن حملات الكراهية بلونها الدامي شكّلت صدمة عنيفة للمسلمين الذين لم يعهدوا، منذ زوال الخوارج كأول حركة تكفيرية استئصالية في تاريخ المسلمين، ظهور حركة انشقاقية بصورة راديكالية. ولذلك قام العثمانيون بالرد السريع لوضع حد لحمامات الدم التي اقترفتها جيوش الدعوة الوهابية في المناطق الخاضعة تحت إدارة الدولة العثمانية. وقد قامت الجيوش العثمانية في الفترة ما بين 1811 و1818 بحملات عسكرية لتصفية جيوب الوهابية السعودية.
ولكن جاء أحفاد عبد الله وهم محمّلون بروح الانتقام لاعادة بناء دولتهم على الكراهية الدينية ونشروا فكراً يقوم على تقسيم العالم الى موحدّين ومشركين ومؤمنين وكفار، وانطلقت جحافل الدعاة في أرجاء المعمورة لتحيل منها جبهات حرب مفتوحة. وفي الثلاثنيات من القرن التاسع عشر كانت الحركة الوهابية قد تسللت الى القارة الهندية ودشّنت قواعد لها في مجتمعات القارة تلك، وفي عام 1912 كانت الخلايا الوهابية تعمل في ارجاء آسيا الوسطى.
يقول رود جولد بأنه كان على خطأ قبل تأليف لكتاب مملكة الكراهية، فقد كان يعتقد بأن آل سعود يعارضون الوهابيين ولكنهم تسامحوا معها بسبب نفوذها الواسع داخل الجزيرة العربية، ولكن تبيّن له من خلال تقصيه الحثيث للعلاقة التاريخية بينهما بأن الوهابية وآل سعود هما وجهان لعملة واحدة.
من الاكتشافات ايضاً أن البريطانيين، الذين تحالفوا مع ابن سعود لاقامة دولة سعودية مضادة للامبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الاولى، اعتقدوا بأن ادعاءات السعوديين بأن كراهيتهم للعثمانين هي بسبب عدم نقاوتهم الدينية لا تدلل على عداوة تجاه المسيحيين ايضاً. الى جانب، يعتقد البريطانيون، بأن ماذا يمتلك العرب او غيرهم من قوة يوجهونها ضد امبراطورية جلالة الملكة. لقد بدأ البريطانيون باكتشاف أنه بعد الحرب بأنهم لحظوا عدم قدرة الاتحاد الوهابي السعودي من ازالة الدولة الهاشمية من الجزيرة العربية. وبخلاف العثمانيين، فإن البريطانيين كانوا غير قادرين على تصعيد البعد العسكري اكثر من الابعاد الدينية والسياسية للهجوم المتطلب لهزيمة الهرطقة الدينية الممثلة في الوهابية.
الاميركيون الذين ورثوا البريطانيين في الهيمنة على المنطقة لم يدركوا حقيقة وطبيعة المشكلة التي سيواجهونها في المستقبل. فقد كان التفسير الكلاسيكي لدى مكتب الاستخبارات الاميركية في شركة أرامكو النفطية يفسّر الوهابية على انها المعادل العقدي للحركة الطهرانية. ومنذاك كانت الحكومات الاميركية تعتقد بأن سلطة العائلة المالكة ستحول دون انفلات التطرف من قمقم الوهابية وأنها ستضع القيود على التطرف الوهابي، وهو ما ثبت بطلانه بصورة مدوّية.
فأن تقوم العائلة المالكة بشن حملة تيولوجية ضد الوهابية مستبعد للغاية، فبدون الوهابية فإن العائلة المالكة لن تصمد في الحكم ولن تكون قيادة في الجزيرة العربية، بل لن تكون هناك دولة في الاصل. وبوضوح أكثر، فإن سلوك العائلة المالكة المعتل والفاسد لا يجعلها تحظى بصفة دينية، بل هناك كثيرون في الداخل والخارج ينظرون الى تصرفاتها ومواقفها وسياساتها بأنها مخالفة للشرع الاسلامي، ولذلك فإن وجود المؤسسة الوهابية يضفي عليها هذه الصفة ويبرر اقترافاتها الفظيعة المناوئة لقيم الدين. فالوهابية بالنسبة للعائلة المالكة إحدى ضمانات السلطة السعودية. ولذلك يعتقد البعض بأن الفكرة القائلة بأن العائلة المالكة قادرة على ان تكسب شرعية غير دينية ولتكن الديمقراطية هي مجرد وهم. فآل سعود حسب صاحب كتاب مملكة الكراهية متمسكون بالنمر الذي يمتطون.
في كافة قارات العالم الآن، هناك رؤية موحدة حول الاسلام فرضتها الوهابية بإسم أكثر من مليار ونصف مسلم يدفعون ثقلين من الكراهية: الاول من الحكم التكفيري الاستئصالي للوهابية ضدهم والمؤسس على قاعدة تجريد المسلمين غير المنتمين للوهابية من الاسلام، والثاني من دول ومجتمعات استيقظت على وقع زلزال الارهاب الذي ضرب كل زوايا العالم بإسم الاسلام، فأصبح المسلم متهماً أينما كان، فسنّت القوانين الصارمة للحد من حركة المسلمين والتضييق عليهم في أرزاقهم ومعائشهم. ولا يجب ان ننسى الاقترافات الشنيعة من قبل الحلفاء الاستراتيجيين للدولة السعودية الذين أمدّوها بالمال والسلاح كيما تصل الى مرحلة التغوّل، فلولا الدعم المتواصل لما استطاعت ذراع التطرف ان تبطش بكل إتجاه. فبريطانيا تتحمل قسطاً من مسؤولية الدعم المالي والعسكري لابن سعود كيما يؤسس دولة الكراهية في الجزيرة العربية كما تتحمل الولايات المتحدة قسطاً آخر من المسؤولية والجريمة في توفير مقوّمات الاستقرار والاستمرار للدولة السعودية وأن تشترك معها في مشاريع جهادية بحجة مقاومة المد الشيوعي ليس في افغانستان وآسيا والصين والقارة الافريقية بل وحتى اميركا اللاتينية، فمملكة الكراهية لم تتأسس بدون دعم الغرب والولايات المتحدة بخاصة.