مفتي الوهابية وبني أمية
خلال استقباله مجموعة من الدعاة و”المفكرين” المشاركين في مهرجان “الجنادرية” في دورته الـ30، قال مفتي عام المملكة السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ إن الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أطلق “عاصفة الحزم” بتحالف “عربي إسلامي للدفاع عن العقيدة الإسلامية التي تعرضت لهجوم خبيث من المد الصفوي الذي أراد الشر بالإسلام والمسلمين، وحاول دعاته زرع المكائد بين أبناء الأمة، والإفساد في الأرض بمختلف الوسائل ومنها التشكيك في العقيدة ومنهج السلف الصالح، والعلماء”.
ودعا آل الشيخ إلى “توحيد صف الأمة الإسلامية والتصدي لمثل هذه المحاولات البغيضة من خلال الحفاظ على العقيدة والدفاع عنها، وتوضيح زيف ما يدعي الحاقدون وباطل ما يتبعون، ونشر قيم الإسلام وتعاليمه السمحة والتحذير من ذرائع الزيغ والانحراف التي يروجون لها”.
ان ربط المصالح السياسية بعناوين دينية لإثارة الحقد والضغينة ليست بالجديدة على مفتي المملكة الوهابي، فالتلميذ ابن استاذه محمد بن عبد الوهاب، الذي اعطى الغطاء الشرعي الديني لحليفه محمد بن سعود في التحالف الذي عمد بالدم والهدم، حيث قام ابن عبد الوهاب باستغلال الدين لاضفاء الشرعية على حركة سياسية من جهة، ولتحويل غارات السلب والنهب الى “جهاد” مقدس، هدف الى تجييش جماعة نجد من جهة، واستقطاب جميع قطاع الطرق آنذاك للقتال الى جانب التحالف الجديد.
على أن اضفاء “المقدس” على السياسي لم تبدأ من ابن عبد الوهاب ايضا بل هي وليدة سياسة ابتدأها الامويون مع سياسات معاوية، حيث التركيز على عقيدة الجبرية من جهة، وضرورة اطاعة السلطان الجائر والفاجر، وجواز الجهاد تحت رايته. وهكذا تحولت راية الجهاد التي شرعت بالاساس للدفاع عن بيضة الاسلام واعراض ومال المسلمين، الى “جهاد” يهدف لتكديس ثروات الامراء والسلاطين وتوسيع ملكهم، وزيادة نسائهم وجواريهم.
ولذلك، فان ما يقوله مفتي المملكة من مدح لولي امره الملك سلمان لا يخرج عن اطار هذه السياسة التي سنها حكام بني امية، فولي الامر عنده واجب الطاعة حتى لو كان فاجرا، شاربا للخمر، قاتلا للنفس المحترمة. فلا عجب اننا لم نر يوما موقفا واحدا من المفتي تجاه هذا البذخ الشيطاني لامراء المملكة في كازينوهات وصالات القمار في اوروبا واميركا فيما يعيش اكثر من نصف الشعب السعودي تحت خط الفقر.
ومن جهة اخرى يصف المفتي السعودي الجمهورية الاسلامية في ايران بالصفوية، ويدعو لاقامة وحدة اسلامية، وهذا تصريح مباشر بتكفير ايران والشعب الايراني، وتكفير الشيعة بشكل صريح، ثم هو يستنكر التفجيرات التي تضرب الاحساء ويعتبرها عملا اجراميا. هل هذا نوع من الازودواجية؟ بالطبع لا. فما هو المستنكر عند المفتي وفق العقيدة التي يعتنقها هو القتل داخل المملكة لا خارجها، فلو قُتل اهالي الاحساء في مكان آخر خارج اراضي المملكة لما سمعنا اي استنكار. على ان الدعوة للوحدة الاسلامية امر غير مفهوم ابدا والسبب هو: اي من المسلمين يقصد المفتي الشيخ؟ فانه وفق مذهب الوهابية لا يبقى مذهب من المذاهب الاسلامية ينجو من سيف التكفير، فالعقيدة الاشعرية والماتريدية التي تدين بها معظم المذاهب السنية هي عقيدة فاسدة وفق الرؤية الوهابية، هذا عدا عن تكفير الشيعة والصوفية وغيرهما.
يمارس المفتي هذا النوع من الخطاب التحريضي، ثم يأتي بعد ذلك هو ومن معه يتساءلون من أين أتى كل هذا الحقد وكل هذه الكراهية وكل هذا التكفير والقتل واراقة الدماء.
يتكلم المفتي عن تعاليم الاسلام السمحة فيما كتبهم تطفح بالقول ان النبي محمد (ص) قد جاء بالذبح.
بالطبع هو يعلم ان التكفير تكفيرهم، وان البضاعة بضاعتهم، وان علامة “الحق الحصري” لكل هذه الجماعات ممهورة بختم وهابيتهم البغيضة.
وباختصار، اذا اراد اي باحث ان يفهم طبيعة هذا الخطاب للمفتي الوهابي فما عليه الا ان يعود الى التاريخ الاموي حيث يقتل البغي الصالح، ويقطع الدعي رأس ابن بيت النبوة، ويشن ابن الطلقاء الحرب على رأس الايمان فيما يحشو رأس جنده ان أمير المؤمنين الذي كرم الله وجهه بأنه لم يسجد لصنم لم يكن يصلي.