شيطنة الآخر وقصور العقلية الأمنية
بقلم / حنان محمد السعيد
تتشابه الأساليب الأمنية التي تتبعها حكومات الاستبداد العربية بشكل مثير للدهشة، فكلهم يبسطون سيطرتهم على الإعلام، وينتهجون سياسة تكميم الأفواه، وكلهم يرفضون الانصياع للرغبات الشعبية مهما كانت منطقية ومشروعة، أو حتى لن تكلفهم او تؤثر على سلطتهم، بل بلغ الأمر ببعض الحكومات لإتّباع ما هو عكس الإرادة الشعبية على طول الخط، في أكبر وأدق الأمور على حد سواء.
وأكثر ما يلفت الانتباه، ما يتبعه هؤلاء من أسلوب شيطنة المعارضين، ولا يختلف هذا باختلاف اسم الدولة الاستبدادية، فعندما قامت الثورة في البحرين، وبالرغم من المطالب المشروعة التي رفعها المحتجون، وبالرغم من أحقيتهم باعتبارهم من بني الإنسان في انتخاب من يمثلهم، وفي وجود شفافية في توزيع المنح الدراسية والوظائف والثروات، إلا أن السلطات البحرينية كثفت حملتها الإعلامية باتجاه طائفي، وكالت للمحتجين الاتهامات بالتبعية لإيران، وبتنفيذ أجندات خارجية، وتناست حجم التمييز الذي يتعرض له هؤلاء مهما تفوق أبناؤهم، وصعوبة حصولهم على الفرص في دولة تنتهج سياسة التمييز الطائفي ضدهم، وتُفضّل الأغراب على أبناء الدولة من الطائفة المغايرة لهم.
واستطاعت هذه الحملة الإعلامية التأثير في أشخاص من المفترض أن شغلهم الشاغل الكفاح من اجل الحرية والمساواة ونشر الديمقراطية، فهم يدعمون ثورة الشعب المصري والتونسي والسوري، ولكن عندما تذكر لهم الثورة البحرينية، تتغير مبادؤهم من النقيض إلى النقيض وتجدهم ينطقون بلسان الإعلام المضلل ويقولون لك بضمير مرتاح: هؤلاء عملاء إيران!.
لا يختلف الأمر كثيرا في اليمن، فعدوتهم من أكبر الدول النفطية ويمكنها التأثير بشكل واسع على وسائل الإعلام في العديد من البلدان، واستطاعت الآلة الاعلامية التي تديرها السعودية أن تُشيطن جماعة الحوثي، حيث جعلت منهم الذراع الايراني في المنطقة والمنفذ الأبرز للخطة التوسّعة “الأمريكية – الإيرانية”، ولم تتوقف حملات التشويه التي شنتها الآلة الاعلامية السعودية على جماعة الحوثي، بالرغم من أنهم ومنذ بدأت احتجاجاتهم لم يطالبوا بأكثر من توزيع عادل للثروات، وهو مطلب مشروع في كل الشرائع الانسانية اللهم إلا شريعة الاستبداد، كما أن العلاقة “السعودية – الأمريكية” القوية والواضحة والتي أعربت عن قوتها ومتانتها في العديد من المواقف، تجعل من الحديث عن مؤامرات واتفاقات “إيرانية – أمريكية” نوع من الهزل لا يجب أن يمر على طفل صغير.
ولا يختلف الأمر عند قياس رد الفعل الشعبي في الكثير من الشعوب العربية، في الشأن اليمني، عندما تنادي بوقف الاعتداءات السعودية على الأراضي اليمنية، وتُظهر للناس التقارير الدولية التي تؤكد أنهم يقصفون المدنيين بالأسلحة المحرمة، ومنها القنابل العنقودية، وتطالب هؤلاء المنصفين أن يدينوا الاعتداء السعودي الغير مشروع على أراضي اليمن، تجد كثيرا منهم يترددون بحجة أن الوضع معقد وشائك وأن الحوثيين وراءهم ما وراءهم من مخططات وأجندات إيرانية، فلا داعي إذا لإدانة العدوان، وليمت المدنيين.
وبالطبع ليست السلطات في مصر بمعزل عن مثل هذه السياسات، فعندما خُلع الرئيس محمد مرسي واعتصم البعض في ميداني رابعة والنهضة، وبالرغم من أن معظم هؤلاء كانوا من البسطاء القادمين من عمق القرى معتقدين أنهم يخدمون الإسلام، وليس لهم علاقة بأي ايديولوجيا تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين، أيدت أغلبية الشعب حرقهم أحياء، بعد أن تأثروا بالحملة الاعلامية الممنهجة التي شنتها الحكومة المصرية ضدهم، باعتبارهم إرهابيين مخربين، وتمادت الحكومة المصرية في إلصاق كل مشاكل الدولة وتداعيات الإهمال والفساد وغياب التخطيط بالإخوان، فالإخوان قاموا بسد بالوعات الاسكندرية لذلك غرقت الشوارع عند سقوط الأمطار، والإخوان يجمعون الدولار ويؤثرون على سعر الجنيه، وكل من يعترض على الفساد والبلطجة وسوء استخدام السلطة وارتفاع الأسعار إخوان حتى ولو كان اسمه “مينا” أو “جورج”.
وتستمر سياسة شيطنة المعارضين، لتلقي بظلالها على أي اعتراض تبديه فئة من الفئات على انتهاك حقوقها، فعندما تعرّض أطباء للضرب من قبل أمناء شرطة بسبب رفضهم تزوير تقرير طبي يضخم من إصابة واحد منهم، وتكررت الحوادث من هذا النوع في عدة مستشفيات، واتخذت نقابة الأطباء إجراءات منطقية لحماية المنتسبين لها وسط تأييد شعبي، قامت الحكومة المصرية بشن حملة تشويه اعلامية غير مسبوقة عليهم بشكل مثير للسخرية، فطبيب يدير شبكة دعارة، وطبيب يسرق خصية مواطن، وطبيب يستأصل نصف كبد ونصف طحال صديقه عند قيامه بعمل جراحة تدبيس معدة له، وطبيب يتزعم عصابة تقوم بجمع الدولارات لضرب الاقتصاد المصري، والأخبار من هذا النوع والتي طفت على السطح فجأة أكثر من الحصر، فاقبلوا يا شعبنا العزيز بضرب الأطباء بالأحذية طالما أنهم سيئون مهملون استغلاليون فاسدون.
لقد ساهم هذا الأسلوب بشكل كبير في تغيير الشخصية المصرية من كثرة ما تم ممارسته على الناس في البلاد من تغييب للوعي، فأصبح الجميع مدان واصبح الجميع يستحق ما يناله من تنكيل واهدار للحقوق، 6 ابريل، اشتراكيون ثوريون، شباب 25 يناير، البرادعي، باسم يوسف، حتى امرأة طالبت بحقها في عدم ركوب الرجال عربة السيدات في مترو الانفاق، وتعرضت للضرب من أمين شرطة لم يعجبه ذلك، لم يعترض أحدا ممن حضروا الواقعة على ضربها، وإنما دفعوها دفعا لخارج عربة المترو لتنال ما تستحقه – من وجهة نظرهم – من تنكيل على مطالبتها بحق من حقوقها، أو أخرى يتحرش بها أمين شرطة بشكل فج فلا يتدخل احد، ويتركونها تواجه مسلح يعتبر نفسه فوق القانون، حتى حضر زوجها وخلصها من براثن هذا الغير أمين، أو سيدة تتعرض لانتهاك ممنهج لحياتها بسبب فضحها للفساد، فيشارك الجميع في ايذاءها ولا تجد لها نصيرا، ومئات الشباب من الطلبة الجامعيين يتعرضون للاختفاء القسري، ولا يحرك أحد ساكنا، طفل يقضي أفضل سنوات حياته مسجوناً لارتدائه قميص كُتب عليه “وطن بلا تعذيب” وبالرغم من مطالبة كل المنظمات الحقوقية بإطلاق سراحه إلا أنه يتم تجديد حبسه شهور تليها شهور، اختفاء كامل لأي أثر لمعاني على شاكلة، النخوة والشهامة والرجولة من معظم أفراد المجتمع، لا يعتقد أحد انه معرّض في أي لحظة لأن يُمَارس عليه ظلم من هذا النوع الذي يدعمه، أو في أفضل الحالات لا يدينه.
ولا أجد في النهاية أبلغ من مقولة القس الالماني مارتن مويلر المعبرة ببلاغة شديدة عن الحقبة النازية لتعبر عما أردت قوله، حيث قال: “عندما قبضوا على الشيوعيين لم أحتج، فلم أكن شيوعيا، وعندما قبضوا على الاشتراكيين والنقابيين لم أحتج، فلم اكن أيا منهما، وعندما قبضوا على اليهود لم احتج، فلم أكن يهوديا، وعندما أتوا للقبض عليّ لم يكن قد تبقى أحد ليحتج على ذلك!”.