مشروعهم الفكري يسبق مشروعهم العسكري وهنا تكمن قوتهم
تعز نيوز- كتابات
في كتابه فن الحرب يقول الفيلسوف الصيني ” سون تزو ” إذا كنت تعرف نفسك وتعرف عدوك فلست بحاجة للخوف من 100 معركة تخوضها, أما إذا كنت لا تعرف عدوك ولا تعرف نفسك فسوف تستسلم في كل المعارك، وإذا كنت تعرف نفسك وتجهل عدوك فسوف تعانى الهزيمة مع كل انتصار تحرزه.. الفيلسوف الصيني الذى ولد عام 544 ق.م وتوفى 496 ق. م يقول : ذروة فن الحرب أن تخضع عدوك دون قتال.
فى اليمن من السهل جدا أن تفرق بين الأجنحة المتصارعة بناء على هذا التقسيم العبقري للفيلسوف الصيني، بل إنك تستطيع أن ترى تقلب الوجوه والمواقف داخل كل جناح، ومتى يحقق النصر أو يكتوى بنار الهزيمة وفقا لمعرفته بنفسه وبعدوه وبطبيعة الصراع ومفهومه للنصر أو للهزيمة.
وبناء على يقوله الفليسوف الصيني القديم ستجد أنه لو أحسن السعودي لنفسه لأوقف الحرب على اليمن فورا، ولو أراد الإحسان إلى اليمنيين لجمعهم على مائدة تفاوض شركاء لا أجراء، مواطنون لا مرتزقة وعملاء.
في بداية الحرب على اليمن عام 2015 كان شعار التحالف “قادمون يا صنعاء ” وبعد أكثر من خمس سنوات من القصف والحصار والقتال والاقتتال أصبحت مأرب هي الأقرب لصنعاء، أما عدن وسوقطرة فأصبحتا بعيدة عن شرعية هادى منصور رغم عدم وجود الحوثيين فيها. أما محاولات الشرعية وخصمها الانتقالي بإدخال إسرائيل لليمن عبر بوابة الخليج فظاهرة للعيان، مرة على لسان خالد اليماني وزير خارجية الشرعية ومرة على لسان هاني بن بريك بطل أبطال الانتقالي، ومع ذلك بقى الحوثي في عاصمته العنيدة يردد شعاره (ا لموت لإ سرائيل ) ويعلو صوته يوما بعد يوم، ويزداد دوره الإقليمي ساعة بعد ساعة، فيقينه أن الحرب مستمرة حتى لو توقفت، وأن الحصار الإعلامي والثقافي والسياسي معركة طويلة سلاحها التضليل والخداع والتشويش والإشاعات،.. الخ.
في كلمته بمناسبة الصرخة في وجه أمريكا وإسرائيل، قال عبد الملك الحوثي إن مجرد رفض أفراد أو أحزاب وجماعات أو حتى حكومات في مواقف منفصلة للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية كلها أو بعضها لا يكفى، ولكن المطلوب هو حالة توعوية فكرية عامة وشاملة، حالة شعبية متكاملة تقف في وجه المخططات الشيطانية المرسومة للمنطقة العربية وهى واضحة ولا لبس فيها، وفى يقين كل أبناء الأمة، ولكن من يقودها ؟!، وفى المخيلة مواقف بعض العرب أفرادا وأنظمة والتي قد تقودك للجنون، فالظلم بين والنهب مستمر، والعبث بتراث الأمة لا يحتاج إلى أدلة، وسرقة ثرواتها منهج مستقر، فمتى نعترض ونتيقن أنه لن يحمينا إلا الوعى ولكن أين هو ومن يصنعه؟ وكيف نفهم أن أمريكا دولة عادية إذا تخلى عنها عملاؤها بالمنطقة العربية؟ وماذا نريد بعد أن نقل ترامب سفارة واشنطن إلى القدس، وماذا نريد بعد أن أعلن نيتنياهو ضم الجولان ويسعى لضم بقية الضفة الغربية، ونحن الذين قضينا أعمارنا نحلم بتحرير فلسطين والجولان ؟ ماذا تبقي لنا من أحلامنا البسيطة ؟ !
وصلنا للدرجة التي لا يأتينا الغزاة ليقاتلوا بأنفسهم، بل إنهم يسلطون بعضنا على بعض ثم في نهاية المطاف ليظهر بمظهر السيد ويحقق كل أهدافه فينا فيستولى على مناطق البترول والثروة تحت حماية عملاء وخونة عظم عليهم أن يتركوا الغزاة يقاتلون بأنفسهم.
في اليمن، البلد العربي حيث تشن طائرات التحالف العربي أكثر من 300 غارة يوميا فى بعض الأيام سألت مذيعة ال بي بي سي محمد على الحوثي من أين لكم الصواريخ الحديثة؟ فأجابها ببساطة مذهلة، أنا قمت بقيادة مدرعات حديثة جدا جدا جدا في شوارع صنعاء لماذا لم تسأليني من أين حصلنا عليها؟ وقال أسلحتنا نحصل عليها كغنائم حرب من المعارك التي ندخلها وكان آخرها في نهم والجوف وأطراف مأرب حيث تتكدس مخازن الأسلحة بدون حساب فى أيدي مرتعشة لا تعرف نفسها ولا تعرف عدوها.
المذيعة ومعها وخلفها من قبل ومن بعد، من يشيرون إلى دعم إيراني عسكري لجماعة أنصار الله، ولو ظلوا على هذا الغباء فأمامهم هزائم أخرى كثيرة، فلا أنصار الله هم اليمن، ولا مشروعهم هو مشروع حزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي العراقي، حتى لو أرادت أمريكا ذلك أو رفضته السعودية وتخوفت منه.
إنهم مشروع دولة غابت عنها مقومات الدولة لسنوات طويلة اسمها اليمن، ولا سبيل لهزيمتهم أو كسر مشروعهم لأن مشروعهم الفكري يسبق مشروعهم العسكري؟ وهنا تكمن نقاط قوتهم.
مشروعهم عربي يراد له أن يكون فارسيا ومدنى يراد له أن يتهم بالراديكالية، وكان من المفترض أن ترعاهم السعودية لا أن تحاول اغتيالهم ولكن لله فى العرب شئون.
كما نرى حولنا فى هذه الدنيا، نلاحظ أن حماقة الأمريكي دونالد ترامب محسوبة، وأن هدوء الصينيين وبرودهم مبرمج، ونرى أوروبا كما هي أنانية بينما روسيا انتهازية، ونرى شعوب وأنظمة الحكم في العالم كلها تقف على ناصية الارتزاق أو العمالة أو التبعية على أحسن تقدير. أما نحن العرب فلا حسبنا ولا برمجنا، وللأسف لم تنفعنا عمالتنا وخيانة البعض منا.
سنبقى ننتظر غيب الضربة القادمة، من سيقتلنا ومتى وكيف؟ فنحن لا شرع ولا مشروع بين ثلاثة مشروعات كبرى إيراني وتركى وإسرائيلي، بينما تحاول إثيوبيا المنافسة كقوة رابعة اللحاق بهم.
لقد سقطنا في الفخ تاهت فى بلادنا الفروق بين الدولة والميليشيا وبين الجيش الوطني والماعة المسلحة وبين الدولة القانونية والدولة الفوضوية، ضاعت من بين أيدينا دولة المشروع الوطني ذو السيادة، وحققت أمريكا خطة هنري كيسينجر التي أطلقها عام 1975: لن يسمح للعرب أن يهددوا مصالح أمريكا مرة أخرى.
في اليمن حيث تتأهب كتائب المستغفرين للولوج من أبواب مأرب لإعادتها لحضن الوطن، كان من الضروري انهاء فتنة العواضي التي كتبنا عنها في المقال السابق وقلنا إنها ستنتهى في ساعة أو بعض ساعة فما هو إلا فقاعه وقد كان.
وفى الطريق إلى مأرب وكجزء من استراتيجية الردع المسبق عاشت الرياض وجيزان ليلة مضيئة بفعل صواريخ ومسيرات اليمنيين، والرسالة كما أقرأها وربما على غير ما قرأها أخرون ممن يتناولون الشأن اليمنى، هي بصوت عال وبوضوح الشمس في منتصف نهار يوليو، الذين معه يقولون للرياض سندخل مأرب وسنحررها، وإذا تدخلتم فى المعركة فانتظروا الشمس في منتصف ليل الرياض، رسالة مختصرة قصيرة مقروءة من السهل استيعابها.
في الطريق إلى اليمن الجديد، ليس أمام صنعاء إلا أن تؤكد أنها عاصمة عربية أولا ودائما، وليس أمام جنودها إلا أن يكونوا أبناء المسيرة حقا – محمديون قرآنيون -، وليس أمام نخبتهم السياسية إلا التأكيد لبقية القوى اليمنية واعادة التأكيد ولو ألف مرة، شركاء لا وكلاء.
إبراهيم سنجاب