مملكة العجز المتنقل: اليمن ثم سوريا
تلازم صورة أحمد عسيري صور المعارك الفاشلة في اليمن إلا من حصد المجازر. المتحدث الرسمي باسم العدوان على اليمن، أرادته المملكة ناطقاً رسمياً باسم مقامراتها العسكرية، التي على ما يبدو ستحط هذه المرة في الأراضي السورية.
الخميس 4 شباط/فبراير 2016، أعلن المستشار العسكري لوزير الدفاع السعودي، أحمد عسيري، استعداد بلاده للمشاركة بقوات برية في سورية، وهو إعلان سرعان ما باركه الأميركيون، الذين قالوا إنهم سيناقشون الإقتراح في اجتماع ممثلي التحالف الدولي يعقد في بروكسل، الأسبوع الجاري.
وسائل الإعلام السعودية طبّلت للإعلان السعودي. وبأسلوب درج عليه كتّاب صحف المملكة، وفي “استحمار” للقارئ كتب عبد الله بن بجاد العتيبي في صحيفة “الشرق الأوسط” إن الرياض “لا تقود فحسب، بل ترسم حدود ألاعيب السياسة في المنطقة والعالم”!
وفي إطار التمجيد الرسمي كتب العتيبي:” المملكة العربية السعودية الجديدة أصبحت على يد الملك سلمان بن عبد العزيز تتعامل مع السياسة على مستوى عال من الوعي والواقعية مع الحزم والحسم… ما أربك الخصوم، ولفت انتباه العالم.” وأضاف أن المملكة استطاعت “أن تستخدم قوتها الذاتية على التغيير والتطوير ومواجهة الأعداء بقوةْ غير مسبوقة وبسياسة عقلانية ذكية”.
الكلام نفسه كرره الكاتب في صحيفة “عكاظ” جميل الذيابي، الذي رأى في الترحيب الأميركي بالإعلان السعودي على أنه “تعزيز لقيادة السعودية، ودورها المؤثر في الإقليم، وتأكيد لمكانتها في أمن العالم واستقراره الأمني والاقتصادي”، وتابع: “وغني عن القول إن موقف السعودية ضد “داعش” نابع من قيم المملكة وسياساتها الراسخة والمعلنة”!
غني عن القول، إن موقف الدور المؤثر للسعودية في الإقليم قاد إلى تدمير سورية، وإحراق اليمن، لصالح شيء وحيد هو تمدد الإرهاب. هذا ما أفرزه العدوان على اليمن في حضرموت، وهذا ما تطلع إليه السعودية في سورية. الحقيقة التي يتجاهلها الإعلام السعودي، قد تعطي تفسيرات عن أسباب الإعلان السعودي وتوقيته.
لماذا الآن؟
في آذار/مارس المقبل، تُتِم الأزمة السياسية في سورية أعوامها الخمس، احرقت خلالها المملكة السعودية ملياراتها على تمويل عمليات القتل والفوضى في سورية، تحت عنوان “دعم المعارضة المعتدلة” وشعار “اسقاط نظام الأسد”، الذي حُشد له مذهبياً.
5 سنوات لم تحصد فيها سورية إلا الدمار، رتبت على المنطقة آثار تمدد الإرهاب وعبء احتواء أزمات اللاجئين… كان خلالها الإمداد والتسليح السعودي مفتوح أمام فصائل متعددة للمعارضة السورية. لم تفلح الفصائل المسلحة في تحقيق الأهداف المرسومة، إلا أن الضربة التي قصمت ظهر السعودية تمثلت في الانجازات في الميدان لاسيما تلك المتعلقة بجبهة الشمال.
اليوم تمكنت القوات السورية وحلفاؤها من كسر الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، وعزل ريف حلب الشمالي عن الريف الغربي. وأخذت هذه القوات تقترب من معاقل المسلحين على الحدود التركية، اذ تفيد مصادر للمنار أماكن انتشار القوات السورية تبعد مسافة 20 كلم عن الحدود التركية، التي لطالما كانت خزاناً لتوريد المقاتلين الأجانب إلى الداخل السوري. الانجازات السورية تمثلت أيضاً بقطع خط إمداد رئيسي للمسلحين من الريف الشمالي وبالتالي من تركيا إلى مدينة حلب، وهو ما بات يهدد بإمكانية فرض حصار على معاقل المسلحين شرق مدينة حلب.
في تحليل إخباري نشرته صحيفة “الأخبار”، كتب الباحث السعودي فؤاد إبراهيم: “بعد خسارة الرهان السعودي على القصير في حزيران 2013، كانت مهمة الرياض تتمحور حول منع سقوط حلب، وهذا ما حمله رئيس الاستخبارات العامة السابق بندر بن سلطان ووزير الخارجية السابق سعود الفيصل الى باريس طمعاً في بناء تحالف تشارك فيه فرنسا. كان سقوط حلب بالنسبة إلى الرياض يعني الخسارة الحتمية، ولا بد من منعه، وإن تطلب الدخول في حرب مباشرة.”
وأضاف أن “حرب الاستنزاف في الميدان السوري، والمداولات خلف الكواليس بين عواصم القرار الدولي لناحية التوصّل الى تسوية مرضية للأطراف كافة وبين النظام والمعارضة في سورية على وجه الخصوص، وأيضاً محاولات تحسين شروط التفاوض الى جانب ما قد ينشأ عن التسوية النووية بين إيران و5+1 أبعدت شبح الحرب لبعض الوقت، ولكن لم تلغه تماماً. فقد كانت الرياض، ومعها أنقرة وتل أبيب، تعمل على توفير مبررات المواجهة الشاملة انطلاقاً من الميدان السوري، وينسحب أفقياً على ميادين أخرى، وأهمها العراق وصولاً الى إيران.”
إلى أين؟
يلخص مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن أسباب الإعلان السعودي. فيقول في تصريح لصحيفة “البديل” المصرية أن السعودية تتجه لهذا التصعيد بعدما فقدت المعارضة السورية مواقعها مقابل تقدم الحكومة السورية، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن، الذي أكد أن حل الأزمة السورية لابد أن يكون سياسيًّا، ما عزز قوة الجيش السوري.
صحيفة “الإندبندنت” البريطانية علقت على الإعلان السعودي، فكتب محرر شؤون الدفاع “كيم سينغوبتا”: “يتوجب التحذير من أن القوات التي سترسلها السعودية إلى سوريا قد تجد أنها في مواجهة مع قوات إيرانية أو قوات أخرى”. ورأى “سينغوبتا” أن ذلك سيمثل موقفاً ملتهباً، وأن تداعيات إرسال القوات “لن تقتصر على الحرب في سوريا، بل ستمتد للمنطقة بأسرها”.
وباختصار، تقود المملكة السعودية مقامرة سياسية جديدة في سورية بعد المستنقع اليمني، الذي أصابت لعناته السعودية من جوانب مختلفة، لناحية العجز القياسي ( قّدر بـ 80 مليار دولار) في موازنة أجهدها السعر المتدني للنفط من جهة والنفقات العسكرية على حروب تشنها السعودية في المنطقة لاستعادة مجد ضائع.
جبهة أخرى تفتحها السعودية، في وقت لاتزال تخوض حرباً في اليمن منذ ما يزيد عن عشرة أشهر خسرت فيها أكثر من 2000 قتيل و4850 جريحاً، وفق ما أعلن المغرد “مجتهد” في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
ورغم التكاليف الباهظة التي أُنفقت على حرب اليمن، لم تستطع القوات السعودية البرية والجوية معاً من تحقيق أي هدف مُعلن، أو كسب أي إنجاز ميداني أو استراتيجي.
خاضت السعودية حربها ضد طرف محدد وواضح في اليمن، ومضت أكثر من 10 أشهر لم تتمكن خلالها السعودية من تحقيق أي انجاز سوى مراكمة قتل الأبرياء. فجأة تقرر السعودية فتح حرب في ميدان أكثر تعقيدا… ولكن من ستواجه السعودية في سورية؟ وهل بمقدور المملكة العاجزة عن إحراز تقدم في جغرافيا مجاورة، أن تحسم في جغرافيات لا يملك فك تعقيداتها إلا أهلها؟
إسراء الفاس
المصدر/ وكالات