اليمن في مواجهة كورونا.. الصحة تدق ناقوس الخطر
على الرغم من بقاء اليمن خالياً من فيروس كورونا الجديد حتى اليوم الذي يصادف التاسع من أبريل، إلا أن الوباء – الذي لم تستطع من تسمي نفسها بـ “دول العالم الأول” التصدّي له أو كبح عاصفته السريعة- غير مستبعد وصوله في أي لحظة، وهو ما يثير المخاوف من كارثية أثره في بلدٍ دمّر القصف بنيته التحتية ولم يتعاف بعد من جائحة الكوليرا وأوبئة الحرب المتعددة.
خلال الخمس السنوات الماضية عاش اليمن بين نيران تحالف العدوان المتساقطة بشكل يومي، من طائرات الـ “إف15 وإف16” والصواريخ المنطلقة من القواعد الأميركية الموزّعة على امتداد الدول القريبة.. دمّر القصف المعسكرات والمطارات والمنازل والمصانع والمزارع والموانئ ووصل إلى المدارس والمستشفيات والجسور والحدائق وكل شيء في البلد، مسبباً أزمة شديدة على كافة المستويات.
انهيار صحي
أحد تلك الجوانب، ما يتعلّق بالمنظومة الصحية التي هي في الأساس متواضعة وغير مؤمّنة، وظلت خلال 40 سنة خارج اهتمام الحكومات التي سعت إلى بناء المسؤولين ورفد خزائنهم واستثماراتهم في الدول الأخرى.. تلك المنظومة خرج عن الخدمة منها قرابة 50 % ، نتيجة القصف المباشر الذي تسبب في دمار كلّي وجزئي لنحو 2477 مرفقاً صحياً، وازداد وضعها سوءاً في ظل الحصار البري والبحري والجوي على اليمن من قبل الدول المعتدية، وعجزت وزارة الصحة في صنعاء عن إدخال 147 صنفاً دوائياً نتيجة إغلاق مطار صنعاء الدولي؛ لأن تلك الأصناف بحاجة إلى ظروف نقل خاصة.
وفيما تبدو جهود دول العالم الرامية إلى توقيف انتشار الفيروس غير مجدية حتى اللحظة وعاجزة عن تحقيق أي نجاح يذكر؛ فإن من الضروري معرفة قدرات اليمن على الصمود أمام الهيجان الوبائي الكبير -حال وصوله- وحجم الضرر الذي قد يلحقه بالإنسان في بلد “يفتقد نحو 16 مليوناً من سكانه الأمن الغذائي، ويعاني قرابة ثلاثة ملايين منهم من سوء التغذية الذي يتسبب في موت طفل واحد دون سن الخامسة كل عشر دقائق، أي ما يصل إلى 80 ألف طفل سنوياً” بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية.
أوبئة الحرب
في كلمة ألقاها وزير الصحة العامة والسكان الدكتور طه المتوكل أمام مجلس النواب -مطلع الأسبوع الجاري- بدا المشهد أكبر كارثية من أي بلد على وجه الأرض، خاصة أن اليمن بيئة خصبة لانتشار الأوبئة كما حكت السنوات الخمس الماضية التي “شهد فيها اليمن اجتياحات لأمراض وأوبئة فتّاكة، كالكوليرا والدفتيريا وإنفلونزا H1N1 والحصبة والملاريا وحمى الضنك والحميات النزفية والالتهابات الرئوية الحادة والتهاب السحايا الدماغية وجدري الماء والسعال الديكي، إلى جانب النكاف والليشمانيا وداء الكلب والتهابات الكبد” كما جاء في تقرير وزارة الصحة عن خمس سنوات من العدوان.
تلك الأوبئة “ساهم في انتشارها، الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للقطاع الصحي وأخرجها عن نطاق الخدمة، والحصار المطبق، والفقر الناتج عن انقطاع مرتبات الموظفين منذ نقل البنك المركزي إلى عدن”، حسبما قال -في وقت سابق- الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور يوسف الحاضري.
إمكانية صمود
مقارنة بفيروس “كوفيد-19″، يبدو أثر الأوبئة التي ضربت اليمن سابقاً متواضعاً، على الرغم من وصول الكوليرا وحدها إلى أكثر من ثلاثة ملايين يمني في 22 محافظة.. هذا التقدير يستمد واقعيته من افتقار البلد إلى الأمن الصحي وشحة الإمكانيات في عموم مستشفيات الوطن، إذ أن “مجمل ما تمتلكه مستشفيات اليمن من أسرّة الرقود لا يتجاوز 1500 سرير، بينما يبلغ عدد أجهزة التنفّس الاصطناعي نحو 400 سرير في المستشفيات الحكومية والخاصة”، حسبما جاء في كلمة الوزير المتوكّل أمام البرلمان، والذي لفت إلى أن تلك الأجهزة “تمتلكها اليمن منذ ستينيات وثمانينيات القرن المنصرم”.
إلى جانب ذلك، تعاني اليمن من انعدام “التيوبات” التي توصل الأكسجين إلى رئة المريض، في ظل انعدامها حول العالم، كما أن دول العدوان دمّرت مصانع الأوكسجين.. وبالعودة إلى مقارنة عدد سكان البلد بحجم الإمكانيات، فإن سريراً واحداً لكل 20 ألف يمني، وجهاز تنفّس واحد لكل 75 ألفاً، وهذا ينذر بكارثة كبيرة، خاصة أن التوقّعات التي وضعتها وزارة الصحة في الحسبان تقول باحتمالية إصابة نحو 90 % من اليمنيين بالوباء، أي ما يصل إلى نحو 28 مليون نسمة، من بينهم مليون يمني سيحتاجون إلى أسرّة رقود وأجهزة تنفّس.
ضرورة الحل
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 70 ألف يمني قد يموتون نتيجة الوباء، بينما تقدّر وزارة الصحة العامة والسكان وفاة نحو ربع مليون مواطن، ما يتطلب البحث عن حلول أخرى وطارئة، خاصة إذا ما قورن حجم الخطر بتصريحات الوزارة عن خروج 93 % من الأجهزة والمعدات الطبية عن جاهزيتها بسبب الحصار والعدوان، وأن الكثير من الأطباء غادروا البلد للعمل في الخارج.. وفي هذا السياق أعلنت الصحة في وقت سابق التعبئة العامة للكوادر الصحية للاستعداد لمواجهة الوباء، وفتحت باب التطوّع للأطباء من مختلف التخصصات والممرضين وطلاب المعاهد والكليات الطبية للدخول في دورات تدريبية لمعرفة التعامل مع الوباء والحالات المصابة ومساعدتها على تجاوز الخطر.
واستطاعت الصحة حتى اليوم توفير 200 جهاز تنفّس و10 آلاف جهاز فحص، كما وفرت بأعداد كبيرة الملابس الواقية للفرق الطبية وفتحت مشاغل لصناعتها وتعمل على توفير من 10 إلى 20 ألف جهاز تنفّس، تزامناً مع استقطابها الكفاءات لإصلاح الأجهزة المعطلة، حسب قول الوزير الذي أضاف ” الوزارة تعمل حالياً على تفعيل ومضاعفة مصانع الأكسجين لتوفير عشرات أضعاف ما كانت تنتجه البلاد سابقاً، إلى جانب العمل على مضاعفة الفرق الطبية في المديريات من فريق إلى 12 فريقاً في كل مديرية، والعمل على رفع الأداء الصحي لاستيعاب مئات الآلاف من المصابين”.
بلطجة أمريكية
وفي ظل انهيار المنظومة الصحية للبلد، فإن من الضروري بروز دور المنظمات الدولية في التصدي للوباء والوقوف إلى جانب وزرة الصحة؛ خاصة أن تلك المنظمات فتحت خزائنها لاستلام مئات الملايين من الدولارات من قبل المانحين الذين قدّموها كمساعدات للشعب اليمني، بيد أن دورها بدا خافتاً قبل أن يتحوّل إلى ابتزاز ومن ثم الإفصاح عن النوايا السيئة بالتهامها، استجابة لتصريحات الإدارة الأمريكية.
حيث أعلنت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن “ليز غراندي” أمس الثلاثاء التوجهات الأممية لتقليص المساعدات الخاصة باليمن بنسبة 75 %، وقالت غراندي “31 برنامج مساعدات من أصل 41 سيتم توقيفها هذا الشهر ما لم يتم منح المنظمة التمويل الكافي”، على الرغم من أن المنظمة لم تصرف من مخصصات العام 2020م سوى لثلاثة أشهر فقط.
هذه التصريحات أعقبت ما تحدثت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية- الجمعة الماضي-، عن تخطيط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، “تخطط لتخفيضات ضخمة في المساعدات لليمن، من خلال قطع عشرات الملايين من الدولارات لبرامج الرعاية الصحية والمساعدات الأخرى في اليمن، رافضة مناشدات الجماعات الإنسانية وبعض أعضاء الكونجرس بتأجيل القرار في ظل انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء الشرق الأوسط”، وهي توجّهات يرى رئيس دائرة التخطيط في المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية، “مطهر زيد” أنها تعكس حقيقة دور المنظمات في اليمن وسعيها للاستفادة من وراء المتاجرة بمعاناة اليمنيين.
تحايل وتواطؤ
وفيما تتخلى المنظمات الأممية عن الشعب اليمني تلجأ دول العدوان إلى الضغط من أجل إيصال فيروس كورونا، تارة بإلقاء الكمامات والمناديل على المدن والقرى، وأخرى بالدفع بآلاف المغتربين والمعتمرين والمهاجرين الأفارقة، إما إلى المنافذ أو الحدود غير المفتوحة، وإما بإجبار الطرف الآخر الذي يقيم في فنادقها على فتح المطارات واستقدام الطلاب اليمنيين من الصين ومصر والأردن، وجميعها دول موبوءة.
تلك التصرفات، إضافة إلى تساهل الطرف الآخر ومساعدته على السماح للعائدين من الدول الموبوءة ومضاعفة رحلات اليمنية للطيران، إلى جانب التحايل من قبل المواطنين العائدين إلى المنافذ في البيضاء وشحن والوديعة إما بإخفاء جواز السفر وإبراز البطاقة الشخصية والادعاء بالعودة من محافظة يمنية أخرى، كما كشفت صحيفة “العربي الجديد” اللندنية، أو من خلال التهريب والدخول بطريقة سرية تهدد بإيصال الوباء إلى اليمن، ما يتطلب المزيد من الإجراءات الوقائية وتشديدها.
واجب وطني
في إحاطة الوزير المتوكل أمام مجلس النواب قال “الوزارة تخطط لفتح مراكز حجر صحي في كبريات الفنادق والجامعات والبنايات الحكومية في كافة المحافظات”، وهي خطوة جيدة تحتاج إلى التنفيذ على أرض الواقع مع بقية الخطط التي أعدتها الوزارة لمواجهة الوباء، وتفعيل جانب التوعية الإعلامية عبر الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة وملصقات الشوارع والباصات ونشر الحملات التطوعية في كافة المناطق.
تحتاج اليمن في الوقت الحالي إلى وقفة جادة من كافة الأطراف وجميع المواطنين بمختلف انتماءاتهم الحزبية والمذهبية وبمختلف تخصصاتهم العملية لتطبيق الحجر الصحي على البلد بشكل كلي، وتقليص تحركاتهم إلا للضرورة، واتباع القرارات الاحترازية التي أطلقتها اللجنة العليا لمواجهة الوباء، ومنع العائدين من السفر، وتشديد الرقابة على المنافذ، ومعاقبة المتورطين في تهريب العائدين، وإخلاء الحجز غير الصحي في النقاط الأمنية بالبيضاء، كما هي أنها حاجة إلى أن يعي المغترب اليمني حجم الخطر الذي يحدّق باليمن، حال عودته، إذ أنه قد يكون مصاباً دون أن تظهر عليه الأعراض، وهو ما قد يتسبب في إدخال الوباء إلى الوطن، الذي لم تسجل حتى اليوم أي حالة وباء فيه.
حاجات أخرى
على الرغم من حاجة اليمنيين إلى الالتزام بتقليص تحرّكاتهم إلا للضرورة يعيش ملايين الناس على العمل اليومي، إذ يعني توقفه يوماً عن العمل موته جوعاً، وهؤلاء بحاجة إلى اتباع طرق الوقاية الصحية في تعاملاتهم مع الآخرين.. على الجانب الآخر يحتاج موظفو القطاعات المتوقفة والرسمية إلى مرتباتهم؛ لتعينهم في تدبير شؤونهم الحياتية أثناء الحجر المنزلي، ما يتطلب من القطاعات الإيفاء بمستحقاتهم دون توقيفها، وكذا توفير راتب شهري على الأقل لموظفي الدولة، وإجبار التجّار على الالتزام بأسعار البضائع الصحية والغذائية، وتسهيل العمل عبر الإنترنت للجهات المرتبطة بهذا الجانب.
(الثورة – عبدالقادر عثمان)
أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه