المواجهة الأمريكية مع المقاومة إلى الميدان
تعز نيوز- كتابات
خلال المرحلة التي بلغ فيها التصعيد الميداني ذروته، مع إسقاط إيران لطائرة التجسس الأميركية العملاقة فوق مضيق هرمز، واستهداف مجمع أرامكو على يد أنصار الله، وعملية أفيفيم للمقاومة بوجه جيش الاحتلال، أعلن القادة الأميركيون السياسيون والعسكريون، وتقدَّمهم في ذلك الرئيس دونالد ترامب، أنهم لن ينجرفوا نحو مواجهة عسكرية تريد إيران وحلفاؤها جرّهم إليها، فيما هم يحتاجون للوقت أن يمر دون مواجهات ريثما تثمر العقوبات التي يفرضونها على إيران وقوى المقاومة، لكن الزمن الافتراضي لمفعول العقوبات بدا طويلاً، فهو وفقاً للتقديرات الأميركية قرابة السنتين، لكن بعد مضي أسابيع قليلة بدا أن الأميركي قد رمى بكل أوراقه في المواجهة عبر الضغط على الأوضاع المالية لدولتين له فيهما نفوذ وحلفاء هما لبنان والعراق، يتقاسمهما منذ زمن مع قوى المقاومة، ويحصر عقوباته عليهما بقوى المقاومة، وظهرت الخطة الأميركية بالسعي لتفجير الشارع بتأثير الغضب من خطر الانهيار في الدولتين، ومحاولة توظيفه في تغيير التوازنات السياسية، بوجه قوى المقاومة.
الغارة التي شنتها طائرات أميركية مساء أمس الأول، على مواقع للحشد الشعبي العراقي على الحدود السورية العراقية ليست مجرد ردّ على سقوط قتيل من العاملين مع الجيش الأميركي في إحدى القواعد التي استهدفت بصواريخ يتهم الأميركيون فصائل الحشد الشعبي بالوقوف وراءها.
فالغارة أكبر بكثير من حجم ردّ كان ممكناً بحجم سقوط قتيل من غير الجنود، وقد بلغ عدد الشهداء والجرحى جراء الغارة 24 شهيداً، و50 جريحاً وبينهم أحد القادة، ما يعني تخلي واشنطن عن سياسة عدم الرد، وارتضاءها مجدداً دخول مواجهات الميدان، والخلاصة التي يسجلها هذا التحوّل هي قبل كل شيء أن الأميركي يرمي رهانه على التغيير بواسطة الشارع جانباً، ويسلّم بالفشل في هذا الرهان، وهو يعلم أن ارتفاع صوت قعقعة السلاح وانفجارات الصواريخ سيعطل كل رهان على عمل سياسي، ويعلم أن الخطاب اليوم في العراق وغداً في سورية، هو إعلان ساعة الرحيل لقوات الاحتلال الأميركي.
لا يوجد أي سبب لتفسير المخاطرة الأميركية بمواجهة معلومة النتائج سلفاً في غير صالحه، كما تقول كل تقارير مخابراته وخبرائه، إلا إدخال وجود قواته التي فقدت التغطية السياسية والشعبية في سورية والعراق، على خطوط التفاوض، من خلال تصعيد يضع المطالبة برحيل هذه القوات في صدارة المشهد السياسي في كل من العراق وسورية، وليس بوسع الأميركي الانسحاب على البارد، ولا ترك “الإسرائيلي” يواجه وحيداً وقائع وموازين القوة في المنطقة، بلا ذريعة مناسبة للانسحاب. فالتصعيد سيستدرج وساطات، وسيكون الروس أول الوسطاء، وسيكون السعي لوقف النار وإعلان الهدنة مربوطاً بموعد نهائي لانسحاب القوات الأميركية من العراق وسورية.
وهذا يستدعي التوصل إلى تفاهم شامل مع إيران، تراهن واشنطن على جعل انسحابها ورقة تفاوض مهمة للحصول على مكاسب في ملفات التفاوض الأخرى، بعدما أعلن المسؤولون الأميركيون أن هذا الوجود فقد كل قيمة استراتيجية أو عسكرية.
حتى ذلك الوقت ستدور مواجهة قاسية لن تنحصر في العراق، ولن تكون معها تسهيلات للتسويات الصغيرة، كتلك التي ينتظرها اللبنانيون والعراقيون في مصير حكومتين معلقتين على حبال الانتظارات الدولية والإقليمية، وحيث يعلو صوت المعركة تغيب سائر الأصوات.
ناصر قنديل كاتب لبناني
أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه