صناعة الخوف من الموت لإبعادنا عن الجهاد
تعز نيوز- من هدي القرآن
والموت نحن نجده هنا في القرآن الكريم وبمناسبة ذكره هنا ليس من الوسائل التي يأتي التخويف بها للناس، ليس من وسائل التخويف إطلاقا داخل القرآن الكريم؛ ولهذا لا تجد الحديث عن الموت إلا خاطفا وبسرعة ينتقل إلى اليوم الآخر؛ لأنه اليوم الشديد الأهوال، هو ما يجب أن تخافه، هو ما يكون الحديث عنه هو الذي يصنع الخوف في النفوس، هو الذي يملأ القلوب خوفا ورعبا، أما الموت نفسه إنما هو الخطوة الأولى، وهو قضية عادية، قضية عادية، هو بداية الرجوع إلى الله.
ليس هو في حد ذاته ما يجب أن يخيف باعتباره حدثا، ليكن خوفك هو من الرجوع إلى الله إلى اليوم الآخر، في اليوم الآخر يوم القيامة. ألم يأت الكلام عن اليوم الآخر في القرآن مكرر جدا؟.. بعض السور تكون من أولها إلى آخرها عن التخويف باليوم الآخر، هل ورد تخويف بالموت داخل القرآن الكريم؟. لم يرد.
ليعرف أولئك الذين يتحدثون مع الناس ويرشدون الناس أنهم كم يغلطون، كم يرتكبون من خطأ جسيم عندما يتحدثون مع الناس عن تخويفهم بالموت نفسه، ثم يذكرون لهم أهوال القبر وعذاب القبر وكلاما في النعش وكلاما طويلا, طويلا عريضا كله يحول الموت إلى شبح مخيف. أن هذا أسلوب يترك أثرا سيئا جداً جداً يتخالف مع منهجية القرآن، ويخالف ما يريد القرآن منا.
إنه الذي يربي هذه الأمة تربية جهادية، الذي يربيك لتكون مجاهدا، هل ينطلق ليخوفك من الموت نفسه، وهو يريد منك أن تستبسل وأن تبذل نفسك في سبيل الله!.. لا يمكن هذا حتى ولا لقائد عسكري أن يعمله.
القائد العسكري وهو يعمل على رفع معنويات الجنود في ميدان المواجهة هل يأتي ليتحدث معهم عن القبر والنعش والأهوال، وهذه الأشياء الكثيرة؟ أم أنه يحدثهم حديثا يجعلهم يستهينون بقضية الموت، يجعلهم يتقافزون، وتستخدم حتى الحركات، وتستخدم حتى نغمات موسيقية معينة، وتستخدم حتى صرخات معينة، وأناشيد لها ألفاظها المعينة كلها تدفع بالإنسان إلى الاستبسال.
لكن تعال جمع كتيبة تريد أن يجاهدوا ثم اقرأ عليهم من كتاب [تصفية القلوب] أو من أي كتاب آخر من كتب الترغيب والترهيب عن النعش والموت وسكرات الموت والقبر ثم انظر هل سيتحرك أحد منهم؟ ستبرد أعصابهم ستجَمِّد نفوسهم.
الإنسان إذا تربى على الخوف من الموت وقيل له: إن الموت كذا وكذا، وعلى النعش كذا وكذا، والقبر مليء كذا وكذا إلى آخره يخاف مهما كان متركعاً مهما كان متعبدا ينشد إلى الحياة ويخاف أن يواجه، أن يدخل في مواجهة لا يريد أن يموت؛ لأنه أصبح خائفا من شبح الموت.
التربية القرآنية هي التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: ((والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)) لكنه كان وهو يتذكر اليوم الآخر، كان يتخشب جسمه خوفا من الله، وخوفاًَ من اليوم الآخر، وهكذا حكى عنهم في قضية إنفاقهم وإطعامهم اليتيم والمسكين والأسير.{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (الإنسان:10) ما قال موت ولا ما موت، الموت لا وجود له في القرآن الكريم إلا كحديث عن قضية هي أول خطوة إلى العالم الآخر، والقبر إنما هو غرفة كأي غرفة في بيتك.
يقال: جنة ونار وباب إلى الجنة وطاقة إلى النار.. الجنة والنار لم تخلق بعد، الجنة والنار لم تخلق بعد كما قال الإمام الهادي نفسه أن الجنة لم تخلق بعد، منهجية مغلوطة تتحدث بها مع أمة وكمنهج.
قد يكون هذا أسلوباً فيما إذا استحسنه شخص معين أمام شخص معين أو مجموعة معينة وبشكل استثنائي مؤقت لا يصلح أن يكون منهجا، لا يصح أبداً أن يكون منهجاً، مع أن الكثير من التفاصيل التي يقولونها حول الموت، وحول النعش، وحول القبر. غير صحيحة. غير صحيحة من أساسها.
عندما آتي أنا وكمرشد وبنظريتي القاصرة، ونظرتي القاصرة أريد أن أطلع ناس أراهم يبكون وأراهم خائفين ويتجهون إلى الطاعات ونوع من الطاعات المعينة، ويبتعدون عن المعاصي فأقول هؤلاء أولياء الله. تستطيع أن تنتج ناس من هذه النوعية لكنك لو تدري كم جنيت عليهم، قد تراهم [أطياب] وتراهم فعلا يبتعدون عن المعاصي وترى مظهرهم مظهر أولياء الله لكنهم من النوعية التي لا تقدم ولا تؤخر.
ذلك الرجل الذي كان ينطلق في الميدان ميدان الجهاد بكل قوة وبكل هدوء.. ولا خوف ولا ذرة من الخوف في نفسه، هو من كان يقول: ((والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ)) ((لأنا آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)).
إذا كنت تريد أن تصنع خوفا في نفوس الناس، وخشية من الله، خوفاً وخشية إيجابية لا سلبية معها إطلاقاً.. ركز على ما ركز عليه القرآن الكريم على اليوم الآخر على الحديث عن اليوم الآخر عن تفاصيله، عن أهواله، عن شدائده، عن النار، عن الجنة.. وهذا هو ما ظهر جليا في القرآن الكريم أنه من أهم الوسائل لإيصال الخوف من الله والخشية من الله في قلوب الناس. حينها سترى أن تلك الأهوال الشديدة تلك النار الشديدة تهون عليك نفسك أن تبذلها ولو عدة مرات في الحياة وتسلم تلك الأهوال، تأمن أثناء تلك الأهوال، وتأمن من تلك النار الشديدة، وأن ذلك النعيم العظيم وذلك المقام الرفيع يجدر بك أن تستهين بنفسك فتبذلها عدة مرات في الحياة من أجل أن تصل إليه.أوليس الناس هنا في الدنيا يستهينون بأنفسهم على [مشرب] على قطعة أرض قطعة أرض مزروعة [بن أو قات] أو [عرصة] منزل.. مستعد أن يقاتل فيقتل، ويتهدد بأنه لا يمكن أن تدخل لها من طرف – كما يقول البعض – : [إلا على رقبتي هذه] أليس هذا استبسال؟؟ استبسال؛ لأنه يرى هذه القطعة جديرة بأن يبذل من أجلها نفسه.
انظر إلى الجنة ستراها جديرة بأن تبذل من أجلها نفسك عدة مرات فتحيى من جديد ثم تقتل من جديد ولو في كل معركة.
هنا في الدنيا أليس الناس يخافون؟ وقد يكون بعض المواقف تخيف الإنسان فيواجهها ولو بأن يبذل نفسه من أجل أن يأمن ذلك الجانب.. ستجد جهنم بالشكل الذي ترى أنه يجب عليك أن تبذل نفسك ولو عدة مرات من أجل أن تنجى من جهنم. هذا هو أسلوب القرآن الحكيم؛ لأنه من الناحية التربوية من الناحية المنهجية تربوياً غير صحيح أن يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة: من الآية111) ثم ينطلق رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليخوف الناس من الموت وهو أعظم مجاهد، وأعظم محرض على الجهاد بأسلوبه القوي بعباراته الجزلة بمعانيه الصحيحة، بتربيته المستقيمة.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان رجلاً قرآنياً يعرف منهجية القرآن لا يخالفه، لا يتعداه ولا خطوة واحدة، ثم يأتي ليخوف الناس من القبر ومن الموت ومن.. ومن..؟! حتى يجعلهم ينكمشون ويخافون، هل هذا منسجم مع التوجيهات للتضحية في القرآن؟. لا.
إذا كنت تريد أن تعرف المسألة جلياً فانظر إلى القادة العسكريين وهم يعملون على رفع معنويات الجيش أثناء المواجهة.. اسمع البيانات العسكرية لتعرف كيف أننا نحن ونحن بشر أن هذه قضية مسلمة لدينا.
أنت قد تقول لأولادك إذا ما كنت في خصومة مع آخرين تنطلق لتشجعهم على التضحية.. أليس كذلك؟ هل ستنطلق وأنت تتحدث عن خصومة حادة مع طرف آخر قد تصل إلى درجة المواجهة ثم تجمع أولادك في غرفة في بيتك وتحدثهم عن القبر وعن منكر ونكير، وعن النعش وعن كذا؟. هل يمكن هذا؟ لا يمكن.. [أنتم رجال وليست إلا ميتة].. أليس هكذا يقولون؟ يشجعهم على الاستبسال وعلى التضحية.
من هو ذلك الأحمق الذي يمكن أن يعمل هذا مرة في حياته فيجمع أولاده ومعه خصم آخر ثم يحدثهم عن منكر ونكير، والقبر وضغطاته وأشياء كثيرة طويلة عريضة.
هل سيواجهون؟ أم سيأتي الصباح وكل واحد يبحث له عن مهرب ويقول: [يا خه الله غني سيعوضنا عن هذه، لا داعي أن يلقي واحد بنفسه من أجل هذه موت طويل عريض.. ومقابر كذا ونعش كذا.. وشدائد – إلى آخره -.. لا أريدها فليأخذوها].
هل يمكن أن يحصل هكذا منا نحن الناس؟ فكيف يمكن أن يحصل ممن نزل القرآن الكريم؟ وهو الذي يعلم بخصائص النفس البشرية، وهو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، هل يمكن أن يصدر من رسول الله؟ الله اصطفاه، الله أكمله، هو نفسه يتبع ما يوحى إليه، وهو يعرف هذا القرآن بأبعاده، بعمقه، بغاياته البعيدة.. فهو لا يمكن أن يصدر منه كلمة واحدة، أو موقف واحد؛ لأنه معلم الأمة ومربي الأمة.. أليس كذلك؟ وهادي للأمة. لا يمكن أن يحصل من جانبه شيء يتعارض مع منهجية القرآن ولو على بعد ألف كيلو، ولو على بعد هناك.
#دروس_من_هدي_القرآن_الكريم
#الدرس_الثاني_عشرمعرفة الله وعده ووعيده
ألقاها السيد/ #حسين_بدر_الدين_الحوثي
بتاريخ: 4/2/2002م
اليمن – صعدة
#نصر_من_الله
أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه