تدبير الله وشؤونه الواسعة
تعز نيوز- من هدي القرآن
تدبير واسع جداً، وشؤون واسعة جداً جداً، في اليوم الواحد يدبر الله فيه من الأمور ما لا يستطيع الناس أن يدبروا مثله إلا في ألف سنة.. لماذا وأنت المخلوق المستخلف في هذا العالم؟ لماذا وأنت من خلقت على أحسن تقويم؟ لماذا وأنت من أنيطت بك مهام كبيرة وواسعة ومسؤوليات عظيمة جداً؟. تريد أن تنفر وحدك من بين كل المخلوقات الأخرى التي الله الذي خلقها ويدبر شؤونها إلا أنت وحدك وأنت المخلوق الأساسي وأنت المخلوق الرئيسي؟ وأنت العنصر المهم في هذا العالم؟ أتستنكر من الله أن يدبر شأنك؟! أتستغرب أن ينزل كتباً إليك وأن يبعث رسلاً إليك؟ لماذا؟!.
يجب أن ترى نفسك أيها الإنسان باعتبار أنك المخلوق الرئيسي في هذا الكون، في هذا العالم، الذي سُخر له هذا العالم بكله، أن تنظر إلى نفسك بأنك أحوج إلى ربك من أي مخلوق آخر في أن يتولى تدبير شؤونك ويهديك. الذي {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة:5) هل يمكن أن يهملك؟ بل تريد منه أن يهملك، إنه يدبر شؤون تلك المخلوقات الصغيرة.. تلك النملة وتلك الفراشة وتلك الشجرة.. المخلوقات الصغيرة هو الذي يدبر أمرها، وهي هي من مسؤوليتها محدودة ومهمتها محدودة ووجودها محدود.
أنت أيها الإنسان تريد أن تنفر من ربك أن لا يدبر شأنك؟! وإذا ما أردت أن يدبر شأنك فإنما تريد أن يتجه إلى الجانب الخدمي فقط.. أريد منه أن يمنحني أولاداً، أن يرزقني أولاداً أن يرزقني أموالاً، أن ينزل لي مطراً، أن ينبت لي أشجاراً، أن يجعلها تثمر، أن يبارك لي في مالي، أن يبارك لي.. هذا الذي أريده.. أليس هذا التدبير الذي يريده الناس؟.
لماذا هذا الجانب فقط؟ وهذا الجانب إنما هو ملحق للجانب المهم الواسع جداً في حياتك، وهذا التدبير الذي تريده من إلهك هو سيأتي تلقائياً إذا ما اهتديت بهديه, إذا ما سلمت نفسك له أن يدبر شأنك بالشكل الآخر الذي أنت تنفر منه وهو جانب الإنذار، وجانب الهداية، جانب الإرشاد، جانب التوجيه، جانب التعليم.. أليس هذا هو الجانب الذي يهرب منه الناس؟.
تأملوا في هذه – مما يدلنا على غرابة موقفنا من الله سبحانه وتعالى – نحن جميعاً بني البشر مسلمين بأن التدبير هو لله، لكن نريد منه فقط أن يدبر شؤون المخلوقات من حولنا، أما شأننا نحن وهو الشأن الواسع، شأن جانب الهداية، رسم المنهجية في الحياة، الخطة التي نسير عليها في حياتنا، فنحن نتهرب من الله ولا نتركه هو أن يكون هو الذي يختص بوضعها لنا.. أليس الناس هم من ينطلقون الآن ليصيغوا الدساتير والقوانين لأنفسهم ويصيغوا التشريعات لأنفسهم؟ هم يريدون أن يتولوا هذا الجانب هم، وهذا هو الجانب المهم، هذا هو الجانب الأكبر.
كيف تنظر إلى الله هذه النظرة الغريبة.. تريد منه أن يدبر شؤون المخلوقات من حولك ثم لا يتدخل في شؤونك كما يقال الآن: [الدين لا علاقة له بالحياة] أليس هذا ما يقال؟ علماء الدين لا علاقة لهم بالحياة.. لا علاقة لهم بشؤون الأمة.. لا علاقة لهم بحكم الأمة.. أليس هذا هو إبعاد للدين، إبعاد لهداية الله، إبعاد لله عن أن يتولى شؤون الإنسان؟ كيف لا يتولى شأنك وأنت أنت المخلوق في هذه الدنيا الذي إذا استقمت ستستقيم الحياة كلها، وإذا فسدت ستفسد الحياة كلها {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي} من؟ البقر، أو الحمير، أو الطيور، أو مَن؟ مَن مِن المخلوقات هذه الكثيرة جداً في هذا العالم الذي ظهر الفساد في البر والبحر على يده؟ إنهم الناس {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم: من الآية41).
إذاً فاعلم بأنك أنت المخلوق الذي لا بد من أن تسلم كل شؤونك لإلهك ليدبرها هو. أم أنك ترى نفسك أكبر من خلق السماوات والأرض! {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}(غافر: من الآية57) إذا كان الله هو الذي يدبر شؤون السماوات والأرض وهي أكبر من خلقك، ثم هي كلها مسخرة لك، كل ما فيها، ثم استقامتها، أو فسادها مرتبط بك، فإنك من يجب أن يتوجه التدبير الرئيسي إليه، وأن يتوجه التدبير على أوسع نطاق إليه، لتهتدي، لتستقيم، فإذا ما استقمت ستستقيم الحياة كلها، حياتك أنت وحياة المخلوقات كلها من حولك، سينطلق كل شيء من حولك يؤدي مهمته على النحو الذي رسم له.
أليس هذا موقفاً غريباً منا جميعاً؟ من الناس جميعاً بما فيهم المسلمون، المؤمنون بهذا القرآن العظيم.. أليسوا هم الآن من يصيغون لأنفسهم دساتير وقوانين؟!. أليسوا هم من أبعد أنفسهم عن الله فيما يتعلق بالجانب المهم، جانب الهداية، جانب التشريع، جانب الإرشاد، جانب الإنذار، ثم هم من نزلوا قاعدة: [لا علاقة للدين بالحياة] [لا علاقة للدين بالدولة].
نحن سنضع شخصاً منا هو الذي يدبر شؤوننا، وهو الذي سيشرع لنا، أنتم وقرآنكم ابقوا هناك بعيداً داخل مساجدكم، داخل بيوتكم، على علماء الدين أن يبتعدوا هناك، نحن سنتولى تدبير شأن الأمة، ونحن سنضع الدساتير، ونحن سنصيغ القوانين، ونحن أعرف بمتطلبات العصر، ونحن أعرف بالمصالح لأمتنا ووطننا.
هكذا يقول الناس المؤمنون بالقرآن الكريم! وفي بقية الأمور يطلبون من الله أن يدبرها.. أنزل لنا مطراً.. أنبت لنا شجراً.. اعمل لنا كذا وكذا وكذا.. إلى آخره.. أليس هذا من الجحود بالله؟ أليس هذا من التنكر لله سبحانه وتعالى؟ أليس معنى هذا أن يتحول الله – كما قلنا أكثر من مرة – إلى مجرد عامل معنا، مجرد عامل معنا؟ لا بأس دبر الأشياء تلك من أجل توفر ذلك لنا لأن ما باستطاعتنا نطلع الشجر لأنفسنا طلعها. لكن قيمتها وتصريف قيمتها أين تمشي؟. نحن الذين سنتولاها.
دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله وعده ووعيده ( الدرس الثاني عشر )
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 4/2/2002م
اليمن – صعدة
#نصر_من_الله
أشترك على قناة أخبار تعز تلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه