الغطاء السعودي على الدواعش باقٍ ويتمدد
خمسة تفجيرات ضربت دور العبادة في المملكة السعودية ما بين عام 2014 وعام 2015. في كل مرة كانت المطالبات بتجريم الطائفية وتكميم الأصوات التكفيرية تتعالى، وفي كل مرة أيضا كانت السلطات تدير الأذن الطرشاء لجميع تلك المطالبات. اليوم، يبدو أن السيناريو نفسه سيتكرر في ظل الحماية الممتدة لمشايخ الوهابية والإصرار على إنكار المنبع الذي يتغذى منه إنتحاريو “داعش”.
قبيل ساعات فقط من وقوع الهجوم على مسجد الإمام الرضا في الأحساء، كان الداعية السعودي سعد البريك في ضيافة محافظ الأحساء بدر محمد جلوي آل سعود، وفق ما أوردت المصادر السعودية الرسمية. تباحث الرجلان وحاشياتهما في سبل التوعية الإسلامية وتعريف المجتمع بالدين الحق.
لم تخطئ هذه المصادر حتما في عنونة مباحثات وجهي الوهابية وآل سعود. مقاطع الفيديو الواردة من مجلس إبن جلوي تجلي ذلك التلازم بوضوح. عضو فريق مناصحة السجناء الذين يحملون الفكر الإرهابي جدد هجومه على أبناء الطائفة الشيعية، واصفا طقوسهم الدينية “بالشركيات”، ومتوجها بالشكر إلى الدولة “نظير ملاحقتها مظاهر الشرك في أرض الحرمين الشريفين”. يخاطب سعد البريك مضيفيه قائلا: “اليوم في السعودية شرقا وغربا هل رأيتم ضريحا يعبد؟ لا، ما هو السبب؟ بفضل الأمن. لو اختل الأمن لرأيتم الشرك وعبادة الأضرحة في بلادنا”.
لا يحيد إمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود عن الصواب جزما، جميع ما يمت بصلة إلى الطريقة الوهابية محمي بأسياف آل سعود وجميع ما لا يوافقها مُشنَّع عليه بحماية الأسياف نفسها. ثنائية تقفز إلى الواجهة كلما امتدت نيران الدواعش إلى أبناء المنطقة الشرقية وغيرها من البقعات المستهدفة بالمديات التكفيرية. منذ حوالي شهرين كان التفجير الداعشي الرابع من نوعه في السعودية خلال عام 2015 طائلا أحد المساجد بمدينة نجران. تفجير تكررت على اثره الدعوات إلى إقرار قانون يجرم الطائفية وتسكيت الأصوات المحرضة ليل نهار على التكفير والتقتيل. أدارت السلطات الأذن الطرشاء مرة أخرى ضاربة عرض الحائط بكل مطالبات العقلاء وأهل المصاب.
هكذا إستمر حاملو الدوغما الوهابية في تصويب سهامهم على الأغيار، مطلقين تبريرات صريحة للأعمال الإجرامية التي تضرب دور العبادة في المملكة. يوم السابع عشر من الشهر الحالي سَجل فصلا شديد الجسارة على هذا الصعيد. مئة وأربعون رجل دين متشدد أصدروا بيانا نبهوا فيه إلى ما سموه “خطورة فئات من الأقليات تسعى للتحكم بالأكثرية منسلخة من نسيجها الوطني، ثم تعزز ذلك بقطيعتها وانفصالها المجتمعي لتدين بالولاء والتبعية السياسية والمذهبية للخارج وتكون خنجرا يوظف للإنقلاب على المجتمع والدولة” على حد مزاعمهم.
البريك أطلق مواقف تحريضية ضد الشيعة عشية التفجير
هي المزاعم الوهابية عينها التي ظلت تملأ أجواء المملكة عقب الإعتداء الإنتحاري الذي استهدف حسينية الحيدرية في مدينة سيهات بمحافظة القطيف. إثر الإعتداء المذكور عادت علامات الإستفهام لترتسم حول استقالة السلطات السعودية من دورها في كبح جماح التوحش وتجفيف التربة التي يتغذى منها تكفيريو “داعش”. علامات سرعان ما جاء جوابها على لسان الداعية محمد البراك عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى وعضو رابطة علماء المسلمين وغيره من دعاة الكراهية وسفك الدماء: “شيوخ الرافضة إما جاهل وإما زنديق، اللهم انتصر للمستضعفين واقصم الرافضة، اللهم كثر قتلاهم وزد أحزانهم واحشرهم مع سلفهم خميني وابن سبأ، ما رأيت أشهد بالزور وأفجر بالخصومة مثل الرافضة، لماذا يكره الشيعة إبن تيمية؟ لأنه بيّن تهافت شبهاتهم وأثبت عداوتهم للإسلام وبراءة أهل البيت منهم، إتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف والكذب فيهم قديم”.
على هذا النحو إذا رد الحلف السعودي الوهابي مطالبة العلماء والمثقفين والمواطنين بتكميم الأبواق الفتنوية التي هي أشد فتكا وإيلاما من الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة وفق تعبير الشيخ عبد الكريم الحبيل إمام جامع العباس في تاروت. رد لم يأت إلا استكمالا لنهج سلطوي ثيوقراطي متعسف ومتنعت كانت الدورة الأولى من التفجيرات الدموية في المملكة قد ظهرته بفجاجة. قبل نحو ثمانية أشهر وقع انفجاران متقاربان في محافظة القطيف ومدينة الدمام حاصدَين شهداء وجرحى. على الأثر تصاعدت المطالبات بالتصويت على مشروع قانون يجرم التحريض على الكراهية أو التمييز أو التعصب ضد الأشخاص بسبب انتمائهم المذهبي أو القبلي أو العرقي، كما تصاعدت الدعوات إلى محاصرة الخطاب الطائفي المنتَج في المدارس والصحف والمساجد. صمَّت السعودية آذانها مرة ثالثة وأرخت الحبل أطوالا إضافية لرجالاتها الوهابيين. من داخل الحرم المكي نفسه، إرتفع صوت الداعية محمد المحيسني إمام جامع عائشة الراجحي في مكة المكرمة سائلا الله “العزة والنصر والتمكين لإخواننا المجاهدين في اليمن وفي الشام وفي العراق، وهزم الرافضة الملحدين واليهود الخائنين والنصارى الحاقدين والمنافقين المنسدين”.
اليوم، لا يبدو المشهد مغايرا لما عجت به منابر الوهابية المرعية سعوديا طيلة الأشهر الماضية. لم تكد تمر ساعات على تفجير مسجد الإمام الرضا في الأحساء حتى اندلق سيل الشماتة والتكفير والتحريض. الأستاذ المساعد في كلية التربية بجامعة آل سعود إبراهيم الفارس علق على التفجير قائلا: “كان الشيعة في دول الخليج يعيشون قديما بأمن وأمان وحينما حركتهم إيران المجوسية واستجابوا لها كانت النتائج مؤلمة”. إدعاء سارع فيه كذلك الداعية سعد البريك، الذي كان يكفر الشيعة عشية التفجير، حيث اعتبر “أن إيران هي من أنشأت داعش وتحركهم لإثارة الفتن”. وعلى النغمة عينها عزف أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء عبد العزيز الفوزان إذ أعاد تغريد منشورات تصف داعش بأنه “ذراع شيطانية لإيران يقوم بالدور الذي يطلبه ملالي الشر”.
الأكثر بروزا في كل تلك المواقف تحذير مشايخ التبغيض من استغلال الجريمة. تحذير رأى فيه البعض محاولة لمنع المتضررين من خطاب الكراهية من إطلاق مواقف إحتجاجية، “وكأنهم يقولون سنحرض ونشجع القتل وعليكم الصمت” وفق تعبير معارضين. باختصار، “اليوم إدانة ولا تحريض وغدا تحريض وتفجير”، يقول معارضو النظام السعودي، مؤكدين أن “الذين يبرأون إلى الله ورسوله من المفجرين اليوم سيدعون الداعشيين غدا إلى تلبية نداء العقيدة الصحيحة”.
دعاء سويدان – صحيفة “الأخبار”