تقرير سنوي : السعودية بعد 2015….ماذا فعلت ؟
على مدار 2015 استمرت السلطات السعودية في الاعتقالات التعسفية والمحاكمات والإدانات للمعارضين السلميين. استمر قضاء عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء لفترات طويلة في السجن جراء انتقاد السلطات والمطالبة بإصلاحات سياسية وحقوقية. استمرت السلطات في التمييز ضد النساء والأقليات الدينية. في 26 مارس/آذار بدأ تحالف بقيادة السعودية في حملة من الغارات الجوية ضد القوات الحوثية في اليمن، اشتملت على استخدام الذخائر العنقودية المحظورة وضربات جوية غير قانونية قتلت مدنيين.
حرية التعبير وتكوين الجمعيات والمعتقد
تستمر السعودية في قمع النشطاء المطالبين بالإصلاح والمعارضين السلميين. في 2015 أدين أكثر من 12 ناشطا بارزا باتهامات سببها أنشطتهم السلمية، ويقضون عقوبات بالسجن.
ما زال الناشط البارز وليد أبو الخير وراء القضبان إثر الحكم عليه بالسجن 15 عاما، إبان إدانته أمام محكمة الإرهاب في 2014 باتهامات سببها حصرا انتقاداته السلمية في مقابلات إعلامية وعلى وسائط التواصل الاجتماعي لانتهاكات حقوق الإنسان. فرضت السلطات حظر سفر على سمر بدوي، زوجة أبو الخير، في ديسمبر/كانون الأول 2014. قبل ذلك كانت قد سافرت إلى جنيف لإخطار مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بقضية زوجها.
جلدت السلطات السعودية علنا المدوّن رائف بدوي 50 جلدة في 9 يناير/كانون الثاني 2015 ضمن العقوبة الصادرة بحقه في 2014 جراء إنشاء موقع ليبرالي، والزعم بإهانته للسلطات الدينية. في 7 يونيو/حزيران أيدت المحكمة العليا السعودية الحُكم الصادر على بدوي بالسجن 10 سنوات و1000 جلدة.
بحلول سبتمبر/أيلول كانت السعودية قد سجنت مؤسسي “جمعية الحقوق المدنية والسياسية” المحظورة، وبدأت محاكمة 2 آخرين، هما عبد العزيز الشبيلي وعيسى الحامد، بسبب أنشطتهما السلمية المطالبة بالإصلاح.
أوقفت السلطات السعودية الكاتب والمُعلق البارز زهير كتبي في 15 يوليو/تموز بعد مناقشته لمقترحات سلمية بالإصلاح على مقابلة متلفزة، وأحالته بعد ذلك إلى محكمة جنائية متخصصة للمحاكمة.
داومت السلطات على رفضها تسجيل الجمعيات السياسية والحقوقية، مع تعريض أعضائها للملاحقة القضائية بتهمة “إنشاء جمعية غير مرخصة”. في ديسمبر/كانون الأول 2015 وافقت الحكومة السعودية على نظام (قانون) جديد يسمح بإنشاء منظمات المجتمع المدني للمرة الأولى، لكن لم تكن السلطات قد نشرت نصّ القانون حتى وقت كتابة هذا التقرير.
لا تتقبل الحكومة السعودية ممارسة أتباع الديانات الأخرى بخلاف الإسلام لشعائر دينهم، وتميّز بشكل ممنهج ضد الأقليات الدينية المُسلمة، لا سيما الاثني عشريين الشيعة والإسماعيلية، بما يشمل التعليم الحكومي ونظام العدالة والقضاء والحريات الدينية وفرص العمل. استمرت السلطات الدينية التابعة للحكومة في الحطّ من شأن أتباع اهل البيت في التصريحات والوثائق العامة.
نفذ مسلحون تابعون لتنظيم “داعش” 5 هجمات كبرى استهدفت السعوديين الشيعة، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وشملت تفجير مساجد للشيعة في القطيف والدمام، أودت بحياة 26 شخصا وأسفرت عن إصابة أكثر من 100 آخرين.
في فبراير/شباط 2015 حكمت محكمة على رجل سعودي بالإعدام بتهمة الردة. في نوفمبر/تشرين الثاني حكمت محكمة على الشاعر الفلسطيني أشرف فياض بالإعدام بزعم إدلائه بتصريحات فيها ازدراء للدين أثناء مناقشة جماعية لديوان شعر يخصه.
العدالة الجنائية
يواجه المحتجزون وبينهم الأطفال انتهاكات ممنهجة ومتفشية لسلامة الإجراءات القانونية وإجراءات المحاكمة العادلة، بما يشمل التوقيف التعسفي. كثيرا ما يحكم القضاة على المدعى عليهم بالجلد مئات الجلدات.
يمكن للقضاة أن يأمروا بتوقيف واحتجاز أي شخص، بما في ذلك الأطفال، على هواهم. يمكن محاكمة الأطفال على جرائم يُعاقب فيها بالإعدام وأن يُحكم عليهم كبالغين إذا ظهرت عليهم أمارات البلوغ البدني.
تطبق السعودية الشريعة الإسلامية بصفتها قانونها الوطني. لا يوجد قانون عقوبات مدوّن، لكن أصدرت الحكومة بعض القوانين والقواعد القانونية التي تُخضع بعض المخالفات واسعة التعريف لعقوبات جنائية. في غياب أي قانون جنائي مكتوب أو أنظمة دقيقة الصياغة، يمكن للقضاة والادعاء تجريم جملة عريضة من المخالفات في ظل اتهامات واسعة وعامة قادرة على استيعاب كل شيء، مثل “الخروج على ولي الأمر” أو “محاولة تشويه سمعة المملكة”.
لا تُخطر السلطات المتهمين دائما بالجريمة التي تم اتهامهم بها، ولا تسمح لهم بالاطلاع على أدلة الادعاء، وأحيانا حتى بعد بدء المحاكمات. بشكل عام لا تسمح السلطات للمحامين بمساعدة المشتبهين أثناء مرحلة الاستجواب، وتعيقهم أحيانا عن استجواب الشهود وعرض الأدلة في المحكمة.
استمرت السلطات في 2015 في احتجاز المشتبهين الموقوفين على مدى الشهور، بل وحتى لسنوات، دون مراجعة قضائية أو بدء ملاحقات قضائية.
أعلنت السلطات عن 3 مداهمات جماعية لتوقيف مشتبهين سعوديين وأجانب بالإرهاب في 2015، منهم 93 شخصا في أبريل/نيسان، و431 في يوليو/تموز، و74 في أغسطس/آب ردا على مخططات على صلة بـ”داعش”، حسب زعمها، وهجمات في شتى أنحاء المملكة ضد قوات الأمن، وضد المساجد في بعض الحالات، وقد أدت لسقوط مدنيين.
زادت السعودية كثيرا من معدل الإعدامات في عام 2015. بحسب بيانات لوزارة الداخلية السعودية، أعدمت السلطات 152 شخصا بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني، 62 من المعدومين أدينوا في جرائم مخدرات غير عنيفة. تُنفذ أغلب عمليات الإعدام عن طريق بتر الرأس، ويكون الإعدام علنيا في بعض الحالات.
قالت السلطات في أواخر يناير/كانون الثاني إنها ستقاضي مسؤولا أمنيا صوّر في يناير/كانون الثاني بتر رأس امرأة بورمية في مكة، وفي تلك الواقعة احتاج السياف إلى تسديد 3 ضربات بالسيف إلى عنق الضحية. في نهاية العام 2015 أيدت المحكمة العليا السعودية عقوبة إعدام الشيخ نمر باقر النمر، وهو رجل سعودي بسبب نشاطه السياسي وانتقاده للنظام السعودي والتحريض.
حقوق النساء والفتيات
نظام ولاية الأمر السعودي التمييزي ضد النساء ما زال قائما رغم تعهدات حكومية بإلغائه. في ظل هذا النظام، تحظر السياسات والممارسات الوزارية على النساء الحصول على جوازات السفر أو الزواج أو السفر أو الحصول على التعليم العالي دون موافقة ولي الأمر، ويكون في العادة الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن. كما تفرض السلطات على بعض أصحاب العمل بأخذ موافقة ولي الأمر قبل الموافقة على استخدام موظفة بالغة، أو بعض المستشفيات بموافقة ولي الأمر قبل إجراء بعض الإجراءات الطبية على نساء.
في ظل قواعد الأحوال الشخصية غير المقننة، لا يُسمح للنساء بالزواج دون موافقة ولي الأمر. على النقيض من الرجال، لا يُتاح لهن طلب الطلاق من طرف واحد، وكثيرا ما يواجهن التمييز في حضانة الأطفال.
ما زالت جميع النساء ممنوعات من قيادة السيارات في السعودية. في ديسمبر/كانون الأول 2014 أوقفت السلطات امرأتين سعوديتين قادتا سيارة إلى الحدود السعودية الإماراتية، واحتجزتهما 73 يوما قبل الإفراج عنهما دون اتهامات.
في تطور إيجابي في أغسطس/آب، بدأت السلطات السماح للمرأة السعودية للمرة الأولى بالتسجيل والترشح في الانتخابات البلدية المقرر عقدها في ديسمبر/كانون الأول.
حقوق العمال المهاجرين
يوجد أكثر من 9 ملايين عامل مهاجر يقومون بأعمال يدوية ومحاسبية وخدمية، يشكلون أكثر من نصف قوة العمل. يعاني الكثيرون من الانتهاكات والاستغلال، وترقى أحيانا إلى مستوى مكابدة ظروف العمل الجبري.
يربط نظام الكفالة تصاريح إقامة العمال الوافدين بصاحب العمل “الكفيل”، الذي تعد موافقته الكتابية مطلوبة لتغيير العامل لصاحب العمل أو للخروج من البلاد في الظروف العادية. يصادر بعض أصحاب العمل جوازات السفر ويحجبون الرواتب ويجبرون المهاجرين على العمل رغم إرادتهم.
في أكتوبر/تشرين الأول أصدر مسؤولو وزارة العمل توجيهات تشمل فرض وتغليظ غرامات على أصحاب العمل الذين يخالفون أنظمة العمل. تشمل تلك القواعد حظر مصادرة جوازات سفر العمال الوافدين، وعدم سداد الأجور في مواعيدها، وعدم إمداد الموظفين بنسخ من العقود.
في مواجهة معدل بطالة داخلي يصل إلى 12 في المئة وقد يزيد مع زيادة التعداد السكاني، أدخلت السلطات السعودية إصلاحات عمالية منذ عام 2011 تهيئ لنظام كوتة لتوظيف المواطنين السعوديين في القطاع الخاص، يختلف بحسب طبيعة النشاط. ضمن هذه الإصلاحات سمحت السلطات العمالية السعودية في 2015 للأجانب العاملين في مؤسسات لا توظف النسبة المطلوبة من السعوديين بتغيير وظائفهم دون موافقة صاحب العمل.
استمرت الشرطة وسلطات العمل في توقيف وترحيل العمال الأجانب المخالفين لقوانين العمل القائمة، واستهدفوا العمال الذين يفتقرون إلى تصاريح الإقامة أو العمل السارية، ومن تبين أنهم يعملون لصاحب عمل غير كفيلهم القانوني.
أعلنت السلطات السعودية في 23 مارس/آذار عن ترحيل 300 ألف شخص على مدار الشهور الخمسة السابقة، أي 2000 شخص في المتوسط يوميا. ليست السعودية طرفا في الاتفاقية بشأن اللاجئين لعام 1951، ولا تفعّل نظاما للجوء يمكّن المهاجرين من الحيلولة دون إعادتهم قسرا إلى أماكن قد تُهدد فيها حياتهم أو حريتهم.
واجهت العمالة المنزلية – وأغلبها من النساء – جملة من الانتهاكات بينها الإفراط في العمل، وتقييد الإقامة جبرا، وعدم سداد الأجور، والحرمان من الطعام، والأذى النفسي والبدني والجنسي دون محاسبة السلطات لأصحاب عملهن. العاملات اللائي يحاولن الإبلاغ عن أصحاب عملهن المسيئين يواجهن أحيانا الملاحقة القضائية بموجب اتهامات مضادة بالسرقة و”السحر الأسود” و”عمل السحر”.
الغارات الجوية والحصار على اليمن
في 26 مارس/آذار بدأ تحالف بقيادة السعودية حملة غارات جوية ضد اليمن، مع فرض حصار بحري وجوي. أصابت الغارات الجوية البنى التحتية في العاصمة صنعاء ومدن أخرى، وأدت أيضا لمقتل وإصابة عديد المدنيين. بين مارس/آذار ويوليو/تموز قُتل نحو 2112 مدنيا في اليمن نتيجة للنزاع المسلح، وأغلبهم سقطوا ضحايا للغارات الجوية للتحالف.
حققت “هيومن رايتس ووتش” في عدة غارات جوية بقيادة السعودية، منها قصف مصنع للألبان في مدينة الحديدة الساحلية في 31 مارس/آذار أودى بحياة ما لا يقل عن 31 مدنيا، وهجمات على أعيان مدنية في معقل انصار الله شمالي البلاد في صعدة، أودت بحياة العشرات في أبريل/نيسان ومايو/أيار، وقصف مجمعين سكنيين في مدينة المُخا الساحلية أودى بحياة ما لا يقل عن 65 مدنيا في يوليو/تموز.
استخدم التحالف السعودي ذخائر عنقودية، محظورة في 117 دولة، على مناطق مأهولة بالمدنيين في اليمن، ما أدى لإصابة وقتل مدنيين.
فرض التحالف السعودي حصارا أثر كثيرا على المدنيين اليمنيين. بحسب الأمم المتحدة، بحلول سبتمبر/أيلول كان نصف السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وكان 21 مليون يمني – حوالي 80 في المائة من السكان – بحاجة إلى مساعدات إنسانية. كان أكثر من 15.2 مليون نسمة يفتقرون للرعاية الصحية الأساسية، وأكثر من 20 مليون نسمة يفتقرون للمياه النظيفة. بما أن الواردات التجارية تمثل 90 في المئة من الغذاء والوقود في اليمن، فإن الحصار الذي تفرضه السعودية قد يرقى لمصاف تجويع المدنيين كوسيلة حربية، وهو ما يعتبر جريمة حرب.
الأطراف الدولية الرئيسة
لم تنتقد الولايات المتحدة انتهاكات حقوق الإنسان السعودية كثيرا، أو بما يتجاوز التقارير التي يكلف الكونغرس بإعدادها سنويا، لكن في يناير/كانون الثاني 2015 طالبت وزارة الخارجية الأمريكية السعودية بإلغاء “العقوبة القاسية” المفروضة على رائف بدوي ومراجعة قضيته والحُكم الصادر بحقه.
أمدت السعودية قوات التحالف بمساعدات لوجستية واستخباراتية أثناء شن الغارات الجوية على اليمن، وربما شمل ذلك تقديم مساعدات على الاستهداف العسكري.
أثار جلد رائف بدوي في يناير/كانون الثاني إدانة قوية من بعض بلدان الاتحاد الأوروبي. في 12 فبراير/شباط اعتمد البرلمان الأوروبي قرارا يدين العقوبات البدنية، ويطالب بالإفراج فورا عن بدوي ووليد أبو الخير، مع دعوة دول الاتحاد الأوروبي إلى “إعادة النظر في علاقتها بالسعودية”. في أكتوبر/تشرين الأول منح البرلمان الأوروبي رائف بدوي جائزة سخاروف لحرية الفكر لعام 2015.
في مارس/آذار منعت السعودية وزيرة الخارجية السويدية مارغوت والستروم من مخاطبة “جامعة الدول العربية” ردا على انتقادها لانتهاكات حقوق الإنسان السعودية. في الشهر نفسه ألغت السويد اتفاق تعاون دفاعي مع السعودية.
لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية الرسمية