هل تنجح الوساطة الباكستانية في منع الصدام السعودي الإيراني؟ و لماذا دان خامنئي اقتحام السفارة السعودية وحرقها بعد أسبوعين؟
هل تنجح الوساطة الباكستانية في منع الصدام السعودي الإيراني؟ و لماذا دان خامنئي اقتحام السفارة السعودية وحرقها بعد أسبوعين؟
عبد الباري عطوان
لم ترشح حتى الآن أي مؤشرات على نجاح المهمة التي يقوم بها السيد نواز شريف، رئيس وزراء باكستان، ورئيس هيئة أركان جيشه، لنزع فتيل التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران، وقد يكون التصريح الذي أدلى به اليوم (الأربعاء) السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الذي أدان فيه بشدة الهجوم على السفارة السعودية وحرقها، ووصفه بأنه ضد البلاد (إيران) وضد الإسلام، ربما جاء لتسهيل مهمة الوسيط الباكستاني الذي زار الرياض أولا، قبل أن يتوجه إلى طهران، لكن من الواضح أن هذه الخطوة، من السيد خامنئي الرجل الأقوى روحيا وسياسيا في إيران التي تأخرت أسبوعين، لم تحظ برد فعل ايجابي من الجانب الآخر.
وكالة الأنباء السعودية نقلت على لسان مسؤول في وزارة الخارجية اتهامه لإيران بـ”اثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل في الشرق الاوسط”، وقال المسؤول الذي لم تذكر اسمه، ان ايران اقدمت على اكثر من مئتي انتهاك للقانون الدولي تحت ذريعة “نصرة الشعوب المستضعفة والمغلوبة على امرها”.
***
هذا التصعيد السعودي اللافت يضاعف من حدة المخاوف من احتمالات انفجار مواجهات عسكرية بين الطرفين، رغم تأكيدهما انهما يعملان على تجنب هذه المواجهات، وعبر عن هذه المخاوف بشكل مباشر السيد شريف عندما وصف الازمة بأنها خطيرة منذ اعدام السلطات السعودية للشيخ نمر باقر النمر، ورد متطرفين ايرانيين بحرق السفارة السعودية في طهران، وشدد المسؤول الباكستاني على ضرورة اللجوء الى الحوار لتسوية الخلافات.
الحديث عن حوار ما زالت فرصه بعيدة بعض الشيء، وما يجري على الارض شيء آخر، فالخلاف السعودي الايراني بدأ ينعكس على الجهود الامريكية الروسية لعقد مباحثات مباشرة بين النظام والمعارضة في اطار خريطة الطريق، التي جرى الاتفاق عليها بين القوى العظمى والاقليمية للتوصل الى حل سياسي للازمة السورية، فموعد هذه المفاوضات المقرر يوم 25 من الشهر الجاري سيؤجل حتما في ظل الخلافات المتفاقمة حول تركيبة وفد المعارضة السورية، واصرار الرياض على عدم اضافة اي عضو جديد الى الوفد الذي شكلته من 17 عضوا بزعامة العميد اسعد الزعبي، واعلنته اليوم، وهدد السيد رياض حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات من الرياض بالانسحاب كليا في حال فرض اي اسم من قبل روسيا، او المبعوث الدولي على الوفد، وهو يعني كل من الدكتور هيثم مناع، وصالح مسلم، (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي)، وقدري جميل، (معارضة الداخل) وآخرين.
السعودية تشعر بقلق غير مسبوق وصل ذروته يوم السبت الماضي، عندما تقرر رفع الحصار الاقتصادي والسياسي كليا عن ايران بعد عشر سنوات، مما سيؤدي الى تحويل ايران الى دولة اقتصادية عظمى، ويكسر عزلتها الدولية، وبما يؤهلها لشن حروب اقليمية جديدة، او توسيع نطاق الحروب الحالية في اليمن وسورية والعراق.
الجانب الاهم في القلق السعودي يعود الى الخشية من “تمدد” ما يسمونه “بالخطر الشيعي” واقتراب ايران التي تملك اقتصادا ضخما (400 مليار دولار) وبنى تحتية مهترئة في معظمها بسبب الحصار، تشكل مغناطيس لجذب استثمارات وعقود، من الغرب على حساب دول الخليج التي كانت تجلس على حجره طوال الستين عاما الماضية.
صحيح ان الاقتصاد السعودي اضخم من نظيره الايراني (650 مليار دولار)، ولكن الاقتصاد الايراني سيبدأ مرحلة الصعود، بينما تتراجع الاقتصاديات السعودية في المقابل بسبب انهيار اسعار النفط، وبدء تطبيق سياسات تقشفية، حيث تقدر خسائر هذه الاقتصاديات بأكثر من 350 مليار دولار سنويا، وتزداد اذا تراجعت اسعار النفط الى 20 دولارا للبرميل، مثلما يتوقع الكثير من الخبراء، فالبورصات الخليجية في حال انكماش، والتضخم بدأت معدلاته في الارتفاع، والعجوزات في الميزانيات دفعت دولا خليجية للاقتراض، والبدء في تسييل العديد من الاصول، وهناك شائعات تتحدث عن احتمال فك ارتباط الريال السعودي بالدولار.
الولايات المتحدة الامريكية تخرج من هذه الحرب الاقليمية الباردة، بين حليف قديم مخضرم و”صديق” جديد، المنتصر الاكبر، ولو على المدى القصير، لانها نجحت في اذكاء الخلافات بين الجانبين اولا وتجنب حرب اقليمية ثالثة في الشرق الاوسط ثانيا، عندما استخدمت الحصار (العصا)، والمفاوضات (الجزرة)، للوصول الى اتفاق لتأجيل، او “تجميد”، الطموحات النووية الايرانية لعشر سنوات على الاقل، وفتح الاسواق الايرانية امام شركاتها العملاقة، فقد جرى اجبار ايران على تفكيك معظم بناها النووية التحتية، وشحن اكثر من 98 بالمئة من وقودها النووي الى الخارج، والافراج عن خمسة معتقلين امريكيين، وهي الانجازات التي اغضبت الجناح الايراني المتشدد الذي يعارض هذا الاتفاق لان الطموحات النووية، في رأيه، حق مشروع ويتعلق بالكرامة الوطنية.
الوضع الحالي، اي “لا سلم ولا حرب”، يناسب ايران، ويصعد التوتر والقلق السعوديين في المقابل، فايران اوقعت خصمها السعودي في مصيدة حرب استنزاف في اليمن، وحققت وحلفاؤها مكاسب عسكرية كبيرة جبهات القتال في سورية، وباتت امريكا اقرب الى وجهة النظر الروسية في اعطاء الاولية للحرب على الجمعات الاسلامية المتطرفة، وبقاء النظام ورأسه بالتالي، وجاءت الطامة الكبرى بالتقارب المفاجيء بين سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية مع خصمه اللدود العماد ميشيل عون، ودعم ترشيح الاخير للرئاسة في لبنان، مما يعني ان لبنان خرج تقريبا من مظلة النفوذ السعودي.
***
رفع الحصار عن ايران افسد الاحتفالات الاعلامية السعودية بمرور عام على تولي الملك سلمان العرش، كما ان استخدام الورقة الطائفية “السنية”، ضد ايران “الشيعية”، بدأ يعطي نتائج “غير مرضية” حتى داخل منطقة الخليج التي توجد فيه اقليات شيعية قوية، بدأت تعبر عن وجودها بأشكال تهدد الوحدة الوطنية، والاستقرار في هذه الدول، ولعل الكويت، وما يجري فيها حاليا، احد ابرز النماذج في هذا المضمار، والمؤشر الاهم في هذا الصدد، ان ثلاث دول “سنية” فقط تضامنت مع السعودية، وقطعت علاقاتها مع ايران، هي السودان والصومال وجزر القمر الى جانب البحرين طبعا.
ولعل هذا التضامن “الفاتر” مع استراتيجية توصيف الصراع في المنطقة بأنه صراع طائفي، ربما يكون لعب دورا في تغيير بعض السياسات السعودية، حيث بدأت نغمة اعلامية جديدة تظهر على السطح باستحياء، تتحدث عن ايران كخطر “فارسي” على “العرب”، وتحل محل المفردات القديمة مثل “صفوي”، “مجوسي” “رافضي” في الاشارة الى ايران، ومع ملاحظة تجنب مصطلح “القومية العربية”.
المأزق السعودي الخليجي يتفاقم في الوقت الذي بدأت فيه ايران تخرج من عنق الزجاجة ابتداء من الاتفاق النووي ورفع الحصار، والخوف كل الخوف ان تتطور الامور الى مواجهة عسكرية كوسيلة لخلط الاوراق.
هناك مثل انكليزي، نعيد التذكير به، يقول “اذا وقعت في حفرة فان اول شيء يجب ان تفعله ان تتوقف فورا عن الحفر”، والسؤال الآن هو، هل سينجح الوسطاء في تقديم السّلم للقيادة السعودية للخروج من هذه الحفرة؟ نأمل ذلك!!