عطوان: ما معنى تجاوب الملك سلمان السريع مع طلب زيادة إنتاج النفط؟
لبت المملكة العربية السعودية نداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووافق عاهلها الملك سلمان بن عبد العزيز فوراً على زيادة إنتاج بلاده من النفط يوميا لتعويض النقص المتوقع في الإمدادات بسبب العقوبات التي تفرضها الإدارة الأميركية على كل من إيران وفنزويلا، وتخفيض أسعار النفط الخام قبيل الانتخابات التشريعية الأميركية النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بعد أن تجاوزت حاجز الـ80 دولاراً للبرميل.
الرئيس ترامب أطلق الرصاصة الأولى في حصاره الذي يريد فرضه على إيران ابتداءً من تشرين الثاني المقبل كخطوة أولى في إطار مخططه الرامي لإطاحة النظام، واستبداله بآخر موال للولايات المتحدة تماماً مثلما جرى أثناء غزو العراق واحتلاله عام 2003، وتغيير نظام الرئيس صدام حسين بتحريض إسرائيلي.
السيناريو نفسه يتكرر الآن بعد 15 عاماً بالتمام والكمال، وتلعب المملكة العربية السعودية، ودول خليجية أخرى دوراً محوريا فيه، سواء بإغراق أسواق العالم بالنفط لخفض الأسعار حتى لا يتأثر الاقتصاد الغربي، وجيب المواطنين الأميركيين بالتالي، هذا حصل قبيل غزو الكويت عام 1990، والأمر نفسه تكرر أثناء غزو العراق عام 2003، وكان لافتاً أنه في الغزوين لم ترتفع أسعار النفط، فإغراق الأسواق بكميات إضافية من النفط وتخفيض الأسعار بالتالي هو أحد أبرز مؤشرات الحروب الأميركية في المنطقة العربية.
خطة تغيير النظام في إيران التي بدأ الرئيس ترامب في تطبيقها بتشديد الحصار النفطي، وتحريك الشارع الإيراني، ومحاولة تجفيف العوائد المالية، ترتكز على تهديد الدول والشركات التي ترفض إملاءاته بوقف استيراد النفط الإيراني وعدم الالتزام بالعقوبات بوضعها على القوائم السوداء، وإغلاق الأسواق الأميركية في وجهها، أما الجانب الآخر من هذه الخطة فيتمثل في زيادة معاناة الشعب الإيراني من جراء الغلاء وتدهور قيمة العملة الوطنية، مما يدفعه إلى الثورة، والنزول إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية ضخمة، وقد بدأت حملات التحريض الإعلامية في هذا المضمار، ومن المتوقع أن تتصاعد وتيرتها في الأسابيع المقبلة.
إيران تنتج حاليا 2.8 مليون برميل نفط يوميا، تشتري الصين (600 ألف برميل)، والهند (400 ألف برميل)، أي ما يقرب من نصف حجم الصادرات النفطية الإيرانية، أما ما تبقى من كميات فيذهب إلى تركيا واليايان وكوريا الجنوبية وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وضخ المملكة العربية السعودية مليوني برميل إضافي يعادل حجم الصادرات الإيرانية تقريباً، وربما يضغط الرئيس ترامب على دول خليجية أخرى مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت لإضافة بضعة مئات الآلاف من البراميل الإضافية أيضاً لكونها ضروريةً لهبوط الأسعار تحت حاجز 80 دولاراً للبرميل (خام برنت) التي وصلت إليه يوم الجمعة للمرة الأولى منذ عام 2016، وهناك تقارير تقول بأن السعودية قد تضطر لتفعيل الإنتاج المتوقف في حقلي الخفجي والوفرة المشتركة مع الكويت في المنطقة المحايدة التي يقدر إنتاجهما بـ500 ألف برميل يوميا.
القرار السعودي بالموافقة على طلب الرئيس ترامب في المكالمة الهاتفية التي أجراها مع العاهل السعودي السبت يعني وصول الإنتاج السعودي إلى سقفه الأعلى أي 12 مليون برميل يوميا، وخروجاً عن اتفاق “أوبك” الذي جرى التوصل إليه قبل أسبوع بالتنسيق مع روسيا، على أن تكون زيادة الإنتاج في حدود مليون برميل فقط، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار المنظمة، أو حدوث انقسامات فيها على الأقل.
بعد هذه المكالمة الهاتفية أصبح ترامب هو أمين عام منظمة “أوبك”، وصاحب القرار الأول والأخير فيها من خلال نفوذه وإملاءاته على السعودية ودول خليجية أخرى.
لا نعرف كيف سيكون رد الفعل الروسي على الخرق السعودي للاتفاق، وكذلك مواقف دول أخرى أعضاء في المنظمة النفطية، مثل الجزائر التي لعبت دوراً بارزاً في “المصالحة” بين روسيا ومنظمة “أوبك” بقيادة السعودية، مما أدى إلى وقف انهيار الأسعار واتجاهها صعوداً، ولكن من المؤكد أننا أمام مرحلة من الفوضى في الأسواق العالمية، اقتصادية وسياسية، قد تتطور إلى استقطابات وتحالفات لا تكون في صالح أميركا وحلفائها العرب بقيادة السعودية.
تخفيض أسعار النفط بقرار سعودي مفاجئ آخر، وفي أقل من أربع سنوات من القرار الكارثي، سينعكس سلباً على عوائد دول “أوبك” التي منيت بكارثة مالية من جراء انهيار أسعار النفط عام 2014 ووصولها إلى 30 دولاراً، بعد أن وصلت إلى 120 دولاراً للبرميل، خاصةً أن القرار السعودي الجديد يأتي في وقت بدأت فيه الأسعار تتعافى وتقترب من قيمتها الحقيقية، وبما يوفر العوائد المأمولة للدول المصدرة ومعظمها من العالم الثالث وتواجه أزمات اقتصادية طاحنة.
تركيا أعلنت بالأمس أنها لن تلتزم بالعقوبات الأميركية وستستمر في استيراد النفط الإيراني كالمعتاد، لأن إيران دولة جارة وشريكٌ تجاري مهم، ومن غير المستبعد أن تحذو الصين حذوها ، وربما تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وتزيد وارداتها النفطية من طهران إلى مليون برميل يوميا حسب بعض التقارير الإخبارية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن الثمن المقابل الذي من المفترض أن تحصل عليه القيادة السعودية مقابل هذا التجاوب السريع مع طلب ترامب، وزيادة إنتاجها النفطي إلى معدلاته القصوى، وبما يحرم مواطنيها، ومعظم الشعوب الخليجية والإسلامية العربية الأخرى المصدرة للنفط وتعتمد على عوائده كمصدر أساسي للدخل (الجزائر، ليبيا، العراق، نيجيريا، إيران، أندونيسيا، والقائمة تطول)، من مئات المليارات من الدولارات سنويا بسبب هذا الانخفاض في الأسعار، ومن أجل رفاهية المواطن الأميركي والغربي، وانتعاش اقتصاديات بلاده، وتغيير النظام في دولة مسلمة، وإغراق منطقة الشرق الأوسط في الفوضى، نترك الإجابة لاجتهاداتكم وللأسابيع والأشهر المقبلة، وما علينا إلا الانتظار.
عبد الباري عطوان
#العيد_في_امساحل
#أعيادنا_جبهاتنا
أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا ✅