الجانب المظلم للطفرة النفطيّة السعوديّة
عندما نذكر الطفرة النفطية الأولى في السعودية يتبادر إلى أذهاننا سريعاً الحالة الاقتصادية المزرية التي كان يمرّ بها أبناء الشعب السعودي قبل بروز هذه الطفرة من فقر ومعيشة صعبة وإمكانات ضعيفة جداً وطبقية بارزة في بنية المجتمع السعودي.
ولكن التطورات العربية والعالمية التي شهدها العالم عموماً والمنطقة العربية خصوصاً مع بداية العام 1973 أحدثت طفرة نوعية في أسعار النفط وعلى إثرها بدأ يتزايد سعر برميل النفط الذي لم يكن يتجاوز الدولارين قبل هذه الطفرة ليصل إلى 35 دولاراً مع مطلع الثمانينات، حيث بلغت الإيرادات النفطية في عام 1981 مثلاً نحو “330 مليار ريال” وبدأت الأموال تتدفق على الخزانة الحكومية، وارتفعت الميزانية إلى أرقام مخيفة في ذلك الوقت، وتسارع الإنفاق الحكومي بسرعة الصاروخ، فبعد أن كان نحو عشرة مليارات عام 1972، أصبح نحو 285 ملياراً عام 1981، وشرعت الحكومة في تنفيذ مشروعات كبرى غيّرت الأوضاع، ما تطلب فتح باب الاستقدام فتحاً، واستغلت الفرصة آلاف المؤسسات التي فتحت بهدف استقدام عمالة تعمل لحسابها مقابل دفع رسوم ثابتة.
في هذا الوقت بدأ المجتمع السعودي يأخذ شكلاً جديداً لم يعتده سابقاً، حيث توسّع التوظيف الحكومي، الذي قام على صلة ضعيفة بين الأجور والإنتاجية، وتدنّت سلوكيات العمل لدى الكثيرين، وهجرت الحرف، وترك الناس بيوت الطين إلى مساكن حديثة، ومع السنين أصبحنا أقل نشاطاً، وأكثر اعتماداً على الآخرين، وساد النمط الاستهلاكي غير المدعوم بقاعدة إنتاجية قوية.
وخلال السبعينات والثمانينات بنيت مدن صناعية وجامعية وعسكرية وموانئ وطرق سريعة، وبنيت مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، وجامعة الملك سعود ومطار الملك خالد في الرياض، وأنشئت صناديق التنمية، وتبنت الحكومة برنامج إعانات سخي.
استفاد من هذه الطفرة – لنكون أكثر دقة – أهل المدن الكبرى على حساب سكان الأرياف والمناطق النائية، ولكن مع ذلك، والحق يقال، شهدت تلك المرحلة قفزة تنموية هائلة، واستطاع ذاك الجيل السعودي الذي عاش أزمة الخمسينات والستينات أن يتحمّل المسؤولية بشكل جيد، واستطاع هؤلاء أن يصمدوا ثلاثة عقود جاء بعدها أجيال جديدة لم تكن تملك أي رؤية اقتصادية وسياسية متماسكة توحّد وعي السعوديين وهمومهم المشتركة وتخفّف حدّة الإحباط السائدة، واليأس الذي ينتشر الآن في مواقع الإعلام الجديد والتواصل الاجتماعي.
سبب اليأس أن الطفرة الأولى انتهت في مرحلة التسعينات، وبداية الألفية الجديدة، لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها “التقشف والترشيد” في المشروعات التي كانت تحت ضغط عجز الميزانية، فتأثرت كثير من الوزارات ومؤسسات الدولة من حيث استكمال خططها.
أسباب هذا التقشف بعد أفول الطفرة
أولاً: ثقافة الطفرة الأولى غيّرت أخلاقيات العمل وأثّرت على كفاءة الإنتاج، فالحصول على المال بسهولة يؤثّر على أخلاقيات العمل التقليدية للفرد، وأيضاً على إدارة المؤسسات التي تحلّ مشكلاتها بالإنفاق السريع والعشوائي.
ثانياً: اقتصاد أحادي الجانب وغير متين، نقصد هنا بغير متين أي إنه يتأثر بشكل كبير بالتغييرات، دليل ذلك التقشف الذي تشهده حالياً السعودية بالرغم من أن ولي العهد محمد بن سلمان طرح رؤية “2030” التي تخطط في جوهرها أن تعتمد على المنتجات غير النفطية لتجنب مشكلة الطفرة وتبعاتها، ولكن هل المجتمع السعودي مؤهل لهذه المهمة في ظل عدم وجود أعداد كافية من الحرفيين السعوديين؟!.
ثالثاً: يمكننا القول بأن عدم وجود أعداد كافية أو كفيلة بالقيام بالمشاريع التي يخطط لها ابن سلمان، يعود إلى السياسة الحكومية وثقافة المجتمع السعودي في العقود الماضية، فالمجتمع السعودي أصبح حكومياً بشكل كبير جداً، حيث إن جميع المواطنين في السعودية يرغبون بالعمل في مؤسسات حكومية توفّر لهم عملاً مريحاً ودخلاً جيداً جداً مقارنة بالمؤسسات الخاصة.
ومؤخراً نشر الباحث فيصل الشهري دراسة حديثة صادرة من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، أشار فيها إلى أن النفط أحدث طفرة اقتصادية، وعزّزت المداخيل النفطية من توسع القطاع الحكومي، الأمر الذي أدّى إلى هجر أفراد المجتمع للمهن المتوارثة، واتجهوا إلى العمل في الجهاز الحكومي الذي يوفّر العمل المكتبي المريح، ذا العوائد المجزية، لافتاً إلى أن ذلك رسّخ ثقافة العمل غير المنتج داخل المجتمع السعودي.
رابعاً: غياب الإبداعات: الإنسان في الرخاء غالباً ما يغفل عن التحديات التي يسعى لمعالجتها بالأموال، وهذا الأمر لم يكن موجوداً في فكر السعوديين الذين عاشوا أزمة الستينات والخمسينات.
ولكن مع الأسف فيما بعد تم استيراد العلم بدل إنتاجه، هناك شريحة علمية واسعة في المملكة غير سعوديّة، وبالتالي فإن نقاط الضعف هذه شكّلت فرصة كبيرة للشركات الأجنبية بغية الدخول بقوة إلى السوق السعوديّة
وتقول الدراسة الآنفة الذكر “التي شملت إحصاءات القوى العاملة في السعودية والعاملين السعوديين في كل الأنشطة الاقتصادية والعاملين السعوديين في القطاع الحكومي والخاص والطلاب في التعليم والمهني والعالي” في هذا الإطار إن المجتمع تحوّل من مجتمع يمارس أفراده المهن بأنفسهم إلى مجتمع اتكالي يعتمد على الوافد في كثير من متطلبات حياته، وأخرج التحوّل الاقتصادي المجتمع من معادلة الإنتاج إلى الاستهلاك العالي، الأمر الذي أثّر سلباً على كفاءة الاقتصاد وقوته، وهو بالضرورة يؤثر على الأمن الوطني.
#يد_تحمي_ويد_تبني
#انفروا_خفافا_وثقالا
أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا ✅