بريطانيا “المتناقضة”.. مع العدوان السعودي أم ضده؟
حين استجوب النواب البريطانيون وزير خارجيتهم فيليب هاموند، يوم الثلاثاء الماضي، عن مشاركة لندن في العدوان على بلادنا أجاب بصراحة قائلاً: “لا يمكن الكشف عن أفراد القوات البريطانية المنخرطين في تحالف “العدوان” لكن لدينا فعلاً وجود عسكري في السعودية ونعمل مع السعوديين”.
وزاد الرجل بالقول: “لم يكن هناك أية أدلة على أن غارات التحالف الأمريكي السعودي تعمدت انتهاك القانون الإنساني الدولي”.
هذا الرجل هو ذاته الذي طالب في 12 نوفمبر من العام الماضي بإجراء “تحقيق جدي” في ما أطلق عليه وقتها “الهجمات الجوية السعودية في اليمن”، وهدد بإيقاف مبيعات السلاح البريطاني للسعودية إذا ثبت خرقها للقانون الدولي، وكتبت الكثير من الصحف في ذلك الوقت بأن هذا أخطر تصريح بريطاني ضد السعودية، ورحّبت بعض المنظمات الدولية بما سمّته تغييراً في الرأي من قبل الحكومة البريطانية.
الآن، عادت نغمة المحاباة والتدلل للسعودية من جديد، لكن ما يثير التساؤل هو أن هذه المحاباة للرياض من جانب الحكومة البريطانية يقابله تصعيد خطير للصحف البريطانية وهجوم شديد اللهجة على النظام السعودي وعلى ولي ولي العهد محمد بن سلمان وزير دفاع المملكة، بالإضافة إلَى توجيه رسائل من قبل المنظمات الحقوقية البريطانية إلَى حكومة لندن والمطالبة باتخاذ إجراءات قانونية على تراخيص تصدير الأسلحة إلَى السعودية.
والأخطر من ذلك أن هذه المنظمات أعطت مهلة للحكومة البريطانية 14 يوماً، ما لم فإنها ستضطر إلَى اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الحكومة، ومنها اللجوء إلَى المحكمة العليا لضمان عدم استخدام الأسلحة البريطانية في انتهاكات للقانون الدولي في اليمن، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل إقدام وزير الخارجية البريطاني هاموند بالتأكيد على أن السعودية لم تنتهك القانون الإنساني يأتي في سياق الرد المبكر على هذه المنظمات.. أم البريطانيون يعملون على ابتزاز المملكة؛ لغرض الحصول على أكبر قدر ممكن من أموالها وثرواتها الطائلة؟
حتى وإن ذهب وزير خارجية بريطانيا للتأكيد بعدم انتهاك القانون الدولي في غارات التحالف الأمريكي السعودي، إلا أن الكثير من المنظمات العالمية تثبت عكس ذلك وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش واللتان أكدتا في أكثر من تقرير أن غارات العدوان “غير قانونية” وقتلت الكثير من المدنيين.
وفي رسالة مؤسسة Leigh Day إلى الحكومة البريطانية قال روزا كيرلينغ من فريق حقوق الإنسان إنه يجب على بريطانيا الالتزام القانوني لضمان تصدير أية معدات عسكرية وأن لا يتم استخدامها من قبل السعودية في انتهاكات القانون الإنساني الدولي.
مضيفة: “نظراً للأدلة على نطاق واسع وذات مصداقية بأن السلطات السعودية خرقت التزاماتها الدولية في اليمن، فيجب على الحكومة البريطانية إعادة النظر في موقفها، ووقف كافة التراخيص فوراً، وإجراء تحقيق مناسب في هذه المسألة”، لكن وعلى الرغم من كل هذه الأدلة إلا أن بريطانيا لم توقف تصدير الأسلحة للسعودية، كما أن السعودية لم تتوقف عن استخدامها على رؤوس المدنيين الأبرياء سواء في صعدة أو حجة أو صنعاء وتعز وغيرها من المحافظات، والمثير للضحك أيضاً هو التزامن في تصريحات البريطانيين والسعوديين بالنفي وعدم استخدام هذه الأسلحة في العدوان على بلادنا.
ويؤكد أندرو سميث، من مؤسسة “الحملة ضد تجارة الأسلحة” (CAAT)، أن الأسلحة البريطانية تعد أساسية في الحملة العسكرية السعودية التي قتل فيها الآلاف من المدنيين في اليمن، ودمرت البنية التحتية الحيوية وتسببت بتوترات في المنطقة.
مشيراً، أنه على الرغم من وجود أدلة قوية ومتزايدة بارتكاب السعودية جرائم حرب، تتواطأ بريطانيا في التدمير ومواصلة دعم الضربات الجوية وتوفير الأسلحة.
وكانت صحيفة “غارديان البريطانية” قد نشرت في وقت سابق تقريراً قالت فيه إن “لندن التي تقوم بتقديم المعونات الطبية والغذائية بإحدى يديها لليمنيين تقوم كذلك ببيع الأسلحة والمعدات العسكرية والتقنية للتحالف الذي تقوده السعودية لقصف اليمن”.
وأضافت أنه “من المعلوم بالضرورة أن الحكومة البريطانية تدرك جيداً أن ذلك سيسهم في تأجيج الصراع ويزيد من احتمالات وقوع جرائم حرب”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة البريطانية منذ بدء العدوان على بلادنا “أصدرت 37 ترخيصا لتصدير الشحنات العسكرية والأسلحة للسعودية ورفضت الإفصاح للبرلمان عن محتويات هذه الشحنات”، مؤكدة أن “الحكومة البريطانية تعتمد على ما تقول إنه “ضمانات” سعودية بأن العدوان العسكري في اليمن يجري بشكل “متوافق” مع القانون الدولي”.
وخلصت الصحيفة إلى أن “هناك أدلة واضحة على أن التحالف قد فشل في التمييز بشكل كامل بين المدنيين والعسكريين خلال الصراع الجاري حتى الآن”.
صدى المسيرة/
أحمد داود