أنقرة تستنسخ “داعش” على تخوم روسيا
أنقرة تستنسخ “داعش” على تخوم روسيا
استمرارا لخطاب التصعيد وعملا بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، تعكف أنقرة على استنساخ “داعش” بحلة جديدة على أعتاب روسيا، غير آبهة بطبيعة الرد الروسي وعواقبه على تركيا والمنطقة والعالم.
وفي هذا السياق، كشف لينور إسلاموف، وهو أحد منظمي ما يسمى بحصار القرم، عن أن وزارة الدفاع التركية بدأت بتقديم الدعم العسكري لما يسمى بـ”كتيبة تتار القرم” في أوكرانيا بحيث تتمكن من “حماية حدود القرم”.
وذكر إسلاموف الناشط البارز في “كتيبة تتار القرم” والمتواري في أوكرانيا عن عين العدالة الروسية بعد اتهامه في الانخراط بنشاط تخريبي، ذكر أن تمويل “الكتيبة” و”حصار” شبه جزيرة القرم يقتصر في الوقت الراهن على المتبرعين، فيما تأخذ أنقرة على عاتقها مسائل الإمداد، حيث من المنتظر في القريب وصول دفعة من الألبسة الخاصة والأحذية من تركيا.
وأشار إلى أن “الكتيبة” التي لا تزال قيد التشكيل، سوف تضم في قوامها زهاء 560 فردا، بما يخدم “حماية حدود شبه الجزيرة وداخل القرم نفسها وتوجيه ضربات لا تعرف مكانها سوى الكتيبة”.
واستنادا إلى تصريح إسلاموف هذا، تعود إلى الذاكرة البدايات الأولى لنشوء “الكتائب” و”الألوية”، و”الجماعات” و”المجموعات” على أراضي سوريا لتحاصر بلداتها وقراها قبل أن تنمو ويشتد عودها لتتحد تحت رايات تنظيمات إرهابية أعتاها “داعش”، وأكثرها رفقا بالسوريين “أحرار الشام”، و”جيش الإسلام” اللذان يتفاوض البعض في الوقت الراهن على إجلاس متزعميهما إلى طاولة المفاوضات السورية.
أنقرة نفت ارتباطها بإسلاموف، لكنه واستنادا إلى تصريحاته، وإلى ما كشفت عنه الاستخبارات الروسية في الشيشان سابقا وأوكرانيا حاليا، يبدو أنها قررت استنساخ “داعش” على تخوم روسيا هذه المرة، ولكن بحلة قومية نازية وإسلامية في آن، مستغلة حقد كييف وتربصها بموسكو.
وهنا يبرز السؤال: هل ستنجح أنقرة في هذه التجربة بعد أن احترقت جميع أوراقها وتبخرت مع حلم “المنطقة العازلة” شمال سوريا، وهل أن الإدارة التركية تستضعف روسيا إلى درجة إطلاق “بحوث” استنساخ الإسلاميين واستحضار النازيين على حدود الروس كما فعلت في سوريا؟
نعم، الإدارة التركية وحسبما يبدو من تحركاتها تستضعف روسيا، وإلا لما أقدمت أصلا على إسقاط قاذفتها غدرا، وطعنت في ظهر بلد صديق، كما يعتبر الروس، بل “حليف” في وجه الإرهاب، لتكشف بذلك عورتها، وتفضح ارتباطها بنشاط الإرهابيين ولصوص النفط السوري والعراقي، حسب اتهامات روسية صريحة موثقة بصور الأقمار الاصطناعية والطائرات بلا طيار.
الإدارة التركية عندما تستهين بروسيا، إنما تسير في اتجاه السقوط في نفس الحفرة التي وقعت فيها الكثير من الإدارات في التاريخين الحديث والمعاصر حينما استخفت بروسيا وناطحتها.
وبالعودة إلى تصريح إسلاموف و”حصار” القرم متحدثا باسم كييف وأنقرة، فلا بد من التذكير، بأن محاولات استفزاز موسكو عادت على أنقرة بتحدى الرئيس الروسي الأتراك علنا بأن تحلق طائراتهم من الآن فصاعدا شمال سوريا، كما عادت عليها كذلك بتخليها نهائيا عن الفردوس المفقود شمال سوريا بنفطه وجماعاته المسلحة الحليفة، ناهيك عن إعلان روسيا رسميا دعمها للأكراد وتغطيتها لهم جوا هناك، الأمر الذي طالما كانت تخشاه تركيا.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن الخسائر التركية لم تحص بعد. فها هي أنقرة تعد أكواما من الشكاوى ضد روسيا أمام منظمة التجارة العالمية على خلفية فرض الأخيرة عقوبات اقتصادية بدأ سريانها مع حلول العام الجديد.
سلطات كييف من جهتها، وفضلا عن خسارة القرم لتصبح هي الأخرى فردوسا مفقودا بالنسبة إلى أوكرانيا، أطاحت باقتصاد البلاد أرضا بإشعال “حرب اقتصادية” ضد روسيا راحت ضحيتها المؤسسات الإنتاجية والصناعية الأوكرانية والشباب، والمتقاعدون الذين صاروا يدفعون من متوسط معاشهم البالغ 1670 هريفنا 1300 لقاء الخدمات المنزلية ليبقى منه ما يعادل زهاء 15 دولارا للإنفاق على الطعام واللباس والدواء ومراسم الدفن في الختام.
هذه التبعات التي جرتها سلطات كييف على الشعب الأوكراني ليست إلا قطرة في محيط عواقب يؤكد الخبراء أنها قد تصل بأوكرانيا إلى إشهار إفلاسها وما سيتمخض عنه من تبعات. فكيف لا، ومتوسط دخل الفرد في هذا البلد صار يعادل أدنى المستويات في الدول الإفريقية، وكل ذلك مرضاة لواشنطن وتحقيقا لـ”منجزات” ثورة “كرامة” اتخذت من مقارعة موسكو شعارا، ومن معاداتها منهجا.
والسؤال: كيف سيتمكن إسلاموف وأربابه في كييف وأنقرة، من حصار بلد كروسيا، ومن الذي سيسقط ضحية لحصار كهذا في نهاية المطاف، وهل بالمقدور أصلا لي ذراع موسكو؟
ومنه، فالميدان يؤكد أن خطط أنقرة والناتو المشتركة لحصار القرم وإثارة حرب فيها ولدت موؤودة على يد موسكو، بعد أن صيغت حسب عسس السلطان وعيون الأطلسي لتزهر باندلاع حرب أهلية بين تتار القرم والروس تنخرط فيها استخبارات تركيا والأطلسي، وتنشئ قوات تترية هناك تؤرق روسيا وتستنزفها في إطار طوق يضيق عليها في البحر الأسود.
والمدهش في تحليل ما تقدم، أن اليابان وألمانيا اللتين أخذت منهما موسكو أراضي في الحرب العالمية الثانية، لا تقدمان على مناطحة روسيا واستفزازها. بل تآثران الالتحاق بعقوبات هنا، ومضايقات طفيفة هناك، مبقيتين على شعرة معاوية، بحيث تحافظان على توازن في علاقاتهما ما بين موسكو وواشنطن، فيما تتنطط تركيا وأوكرانيا في وجه روسيا بين الفينة والأخرى، بل تسابقان خصماءها للنيل منها في أي مناسبة، ربما تفلحان في استعادة فردوس مفقود أضاعتاه بلا رجعة.
صفوان أبو حلا