المجازر السعودية في اليمن: صواريخ شقيقة ونيران صديقة!
مِرَاراً وتكراراً وبتعمُّدٍ واضحٍ يستهدفُ طيرانُ “العدوان السعودي” تجمُّعاتٍ لعناصره على الأرْض، ثم يعزو ذلك إلى خطأ في المعلومات والإحداثيات التي تصله من عملائه، ولا يكلّف نفسَه حتى بالاعتذار بعد تلك الجرائم المروعة والمزرية، وكأن دماء اليمنيين معجون كاتشب يبعث على الشهية، لا على الأسف والألم وتأنيب الذات، خصوصاً عندما يصمُتُ سياسيو الفئة المستهدَفة رغم تطاير أشلائها وَغرقها في الدماء، وما يزيد الأمرُ غرابةً هو مشاركة أسر الضحايا في التبرير والتعليل لمجازر العدوان، وتحميل اليمنيين الصامدين والمقارعين للعدوان مسئوليةَ هذه المجازر والدماء، في استحمار مفرط للوعي، واستغفال لعقول الناس، ليتواصلَ مسلسل الانبطاح والتزييف تقليداً لحديث قادات الارتزاق وأبواقهم الإعلامية المضللة في أكثر من موقع وقناة.
إطالة أمد الحرب
هذه الأخطاء المتكررة التي تزدادُ مع اشتداد واحتدام أية معركة أَوْ حسمها ليست محض صدفة؛ فسلاحُ الجو الذي يستخدمُه تحالف العدوان في حربه على اليمن من أحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً، وكل أهدافه مرصودة بدقة عالية، ويمكن مشاهدتُها بكل أريحية ووضوح قبل أية عملية قصف ومن مسافة عالية جداً، ناهيك عن تواجُدِ الطائرات الاستطلاعية على مدار الساعة في سماء اليمن لرصد تلك الأهداف، وإلا لماذا لا تحدث مثل هذه الأخطاء في أراضي الجنوب السعودي رغم الاقتحامات السريعة والخاطفة التي يحقِّقُها الجيشُ اليمني ولجانه الشعبية بالالتحام المباشر؟، ولماذا يتجاهل الطيران أهدافاً عسكرية واستراتيجية ليصب جَامَ غضبِه على تجمعات مدنية ومواقع حيوية أخرَى؟.
إنَّ الهدفَ الحقيقيَّ لمثل هذه الضربات الخاطئة والنيران الصديقة كما يحلو لهم تسميتها هو إطالةُ أَمَد الحرب، خصوصاً في الداخل اليمني، الذي جُلُّ وقوده يمنيون من الطرفَين في الميدان العسكري البري، ولا يخفى الجميع الرغبة السعودية الجامحة في القضاء على كُلّ الفصائل اليمنية دون استثناء حتى وإن تظاهرت بدعمها العسكري والمادي واللوجيستي لطرف دون آخر، فهي في الوقت نفسه ترتب الأدوار وتختارُ بخُبث التوقيت المناسب لاستهداف كُلّ فصيل. وهذا ما أدركه الكثيرون من كبار مرتزقة الداخل الذين آثروا أخيراً النأي بأنفسهم عن أي صراع داخلي رغم الإغراءات، بل وصل الحال بكبار المغرر بهم ممَّن قادوا الجبهات وقدّموا تضحياتٍ كبيرةً إلى مغادَرة البلاد والاكتفاء بالإقامة في غرفة مريحة في فنادق عواصم بلدان تحالف العدوان.
فشل مزدوج
بعد الفشل السعودي في إشعال الفتنة الداخلية الأخيرة، عمدت السعودية إلى بَثِّ الشائعات والأكاذيب لإخافةِ الشرفاء من حزب المؤتمر الشعبي العام الذين رفضوا الانزلاق في وحل الفتنة، ووقفوا بكل شجاعة وبسالة في وجهها، وعند فشلها في ذلك أيضاً، وفشل الإمارَات في استقطاب قيادة مرحلية موجهة ومشحونة بثأر الرئيس السابق، لجأت إلى قصف السجون مع علمها أن بداخلها عشرات المحتجزين، وهي بتلك النيران الصديقة تود إشعال صراع جديد مستغلة الاحتقان الأخير وطبيعة القبيلة اليمنية؛ لكنها فشلت أيضاً؛ وخسرت الكثير من أنصارها ومؤيديها الذين أدركوا مؤخراً مدى رخصهم ورخص دمائهم في سوق البورصة السعودية.
أجندة أمريكية إسرائيلية
إنَّ الحديثَ عن استراتيجية واحدة تتطابق مع أهداف كُلّ الدول المشاركة في “العدوان” أمرٌ غير صحيح؛ فأجندة الرياض قائمة على توجهات أمريكية تتفّقُ كلياً مع الأجندة الإسرائيلية، ولقطر أجندة تتناقض مع تلك الأجندات، ولأبو ظبي استراتيجية أخرَى وهدف آخر وهكذا. الأمر الوحيد الذي نستطيع التأكيد عليه هو أن استراتيجية “السعودية” في هذه الحرب اللعينة، لا يمكنُ مهما حصل أن تتوافقَ مع أهداف حكومة الفنادق التي ما زالت تحدث نفسها بأن الحرب جاءت لإعادة شرعيتها وتنصيبها على كرسي الحكم مجدداً بعد كُلّ هذه الفاتورة الباهظة والمكلفة، التي دفعتها وتدفعها “السعودية وأذنابها” بشرا ًومالاً وعتاداً.
تبايُنُ سعودي إمارَاتي
ما يحدُثُ في باب المندب وذو باب والمخاء والخوخة هدفٌ سعودي يلبي رغباتِ مظلة المملكة الإقليمية، أمريكا وإسرائيل، وهو ما صَرَّحَ به “المجلس السياسي” حَرْفياً على لسان الرئيس صالح الصمّاد ذات حديث. وما يحدث في المحافظات الجنوبية وأجزاء واسعة من محافظة تعز هدفٌ إمارَاتي، يسعى لعدم السماح بتمدد التواجد “الإخواني” في هذه الجغرافيا، لا سيما وأن قيادات كُلّ هذه الفصائل في فنادق الخارج محسوبة فكرياً وتنظيمياً على حزب “الإصلاح” المصنّف ضمن الجماعات الإرهابية التي تضللها الدوحة. وهذا لا يعني الرضا على تواجد الجيش واللجان الشعبية في هذه المناطق، لكن ظروف المرحلة وأهدافها الخبيثة جعلت القوى في قاموس العدوان مشروطة بفاعليتها، لا بحجمها وقالبها، ومن هذا المنطلق توزعت الأهداف باختلاف المناطق وطبيعتها ومن يسيطر عليها ميدانياً، لا إدارياً ونظامياً، فتعامل “العدوان” مع ميدي يختلف عن حضرموت مثلاً، ونهم تختلف مجريات معركتها عن كهبوب وعسيلان وبيحان شبوة، ومع تلك التباينات والأجندة والأهداف تتدخل النيران الصديقة بين الفينة والأخرَى لتعيد مؤشر البوصلة الاستراتيجي إلى الجهة التي يجب أن يكون فيها مرحلياً.
لقاء توم وجيري
رغم كُلّ التناقضات التي يسيرُ العدوان السعودي والإمارَاتي على رمالِها المتحَرّكة، اتخذت أبو ظبي موقفاً جديداً من “إخوان اليمن” بعد أعوام من العداء والقطيعة، فهي ترى فيهم اليوم وقوداً جديداً بعد فشل ورقة مؤامرة صنعاء الأخيرة، وتمخّض الموقف الحالي بلقاء جمع “بن زايد” وَ”بن سلمان” مع قيادة الإصلاح في الرياض لمحاولة استئناف التعاون مجدداً برفد الجبهات الداخلية بالمزيد من قواعد الإصلاح تحت سقف الجهاد والتحرير.
تخبط مهزوم
إن التخبُّطَ الواسعَ الذي ينخر في هيكل “العدوان” سابقاً ولاحقاً، وكذا التأرجح يمنةً ويسرةً بما يتناسَبُ مع تمايل التطورات الإقليمية وميزان القوى العالمية، لا يعني أن أجندة الحرب مقتصرةٌ على تلك الأهداف التي تتوزع فواتيرها على الدول المشاركة فيه، بل على العكس، فتدمير القوة العسكرية اليمنية وتدمير سلاحها وإنهاك قدراتها هو الهدف الأبرز. بل تعدى الأمر ليصل إلى استهداف البشر المدنيين من كُلّ الفئات وفي كُلٍّ من المساكن والأسواق والطرقات والمدارس وصالات الأعراس والعزاء، وهو استهداف مباشر ومتعمد، مثلُه مثلُ تلك النيران الصديقة التي وكّلَها النظام السعودي لقبض أرواح مَن اشتراهم بنفطه وماله؛ للقضاء على جيرانه.
موقع الوقت التحليلي
➖ ➖ ➖
?1000يوم من العدوان والصمود
#القدس_قضيتنا_الأولى