أسرار جديدة من مُخَطّط زعيم المليشيات
ما تزالُ الكثيرُ من الأسرار التي صاحبت مؤامرةَ الفتنة والخيانة التي قادها زعيمُ المليشيا علي صالح؛ لإثارة الفوضى والاقتتال في صنعاء والمحافظات الخارجة عن سيطرة العدوان ، غيرَ معروفةٍ للرأي العام ، كما إن عرضَها والكشفَ عنها أمرٌ ضروري ، لعدة أسباب منها أولاً معرفة طبيعة وحجم المؤامرة وضلوع الخارج فيها بشكل رئيسي ، وثانياً لاستيعاب حجم الانتصار الذي تحقق لليمن بالقضاء على الفتنة ، وحجم الصدمة التي تلقتها الولايات المتحدة ودول العدوان، وثالثاً لمعرفة حجم الرهان الذي كان موضوعاً على تنفيذ المُخَطّط التآمري، ورابعاً لتفسير الحملات الإعلامية التي استغلت الوضع الإنساني وانقطاع المرتبات بسبب الحصار ونقل البنك المركزي وتوجيه السخط لطرف داخلي يواجه العدوان؛ بهدف التحريض عليه وتغييب مسؤولية العدوان عن تلك التداعيات.
صحيفة المسيرة تنشرُ عرضاً شاملاً لما يتوفر من وثائق تم العثورُ عليها في أوكار قيادات الفتنة أو أجهزة الحواسيب التي كانت بحوزتهم، حيث نتطرق في هذه المساحقة إلى وثائق للمبادرة السياسية التي قدّمها زعيمُ مليشيا الخيانة “صالح” لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تخلص إلى إعطاء أمريكا الوصايةَ المطلقةَ ولها التحكم بممراتها البحرية والتنقيب عن ثرواتها.
- استغلال موقع مواجهة العدوان
تُظهِرُ الوثائقُ التي حصلت صحيفة المسيرة على نسخة منها، أن قيادة مليشيات الفتنة والخيانة التي فجّرت الوضع في صنعاء عملت منذ مبكر على استغلال موقعها الصوري بأنها مواجِهة للعدوان للعمل في أجواء مستقرة والتواصل مع الخارج.
الوثيقة الأولى عبارة عن اقتراح موجَّه لقيادة مليشيات التخريب، وتبدو أنها صيغت في وقت مبكر، حيث توصي بأنه “لا بد من مواصلة الحوارات مع الخارج باسم المؤتمر لوحده ولابد من إظهار المرونة”، كما يرى صاحب الاقتراح أن “المؤتمر مقبول فيما حلفاؤه غير مقبولين (أنصار الله)” ويضيف أنه “ليس المطلوب الاشتباك مع الحليف (أنصار الله) ، لكن إذا وصل المؤتمر إلى نتائجَ فإن ذلك سيكونُ ممكناً”، وهنا يقصدُ أنه في حال نجحت قيادات الفتنة في تواصلها مع الخارج باسم المؤتمر وتم قبول ما سيطرحونه فإنه بعدها يمكن الاشتباك، أي تفجير الوضع الداخلي”.
كما يرى المقترح أن أنصار الله، أو “الحوثيين” كما يسميهم، يريدون التوصل لحل لوقف الحرب، لكنه يرى في الوقت ذاته أنهم -أي أنصار الله- غيرُ مقبولين من الخارج لسوء حظهم، كما يقول، مشيراً إلى أن التوصل لحل بوجود أنصار الله لن يكونَ في صالح المؤتمر، وهنا يجدر التنويه أن الحديثَ باسم المؤتمر لا يعني أن الحزبَ بالفعل كان مشتركاً في المُخَطّط، وهو ما كشفته الأحداثُ على الميدان وفي الواقع.
- مقترح تسليم اليمن للولايات المتحدة
من جملة ما حصلت عليه صحيفةُ المسيرة من وثائق مُخَطّطات الفتنة، تُظهِرُ وثيقة خطيرة عبارة عن مقترح مقدَّم للولايات المتحدة الأمريكية للعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أو ما يعرف بـCIA ، وقبل عرض تفاصيل الوثيقة يمكن القولُ إن زعيم مليشيا الخيانة علي صالح كان قد درس كُلّ الخيارات باستثناء الوقوف بصدق في مواجهة العدوان، وأن الرجلَ كانَ لديه الكثيرُ من المعطيات الخاطئة، منها ثقته بأن ولاءَ الجيش اليمني له وأن الولايات المتحدة يمكن أن تتخلى عن النظام السعودي من أجله، كما أنه شعر ربما بعد مرور أكثر من عامين على العدوان بأن رجالَ الجيش واللجان الذين يقاتلون في الجبهات قد وصلوا لمرحلة الإرهاق، وبالتالي وجد الفرصة مناسبةً للعودة إلى الانفراد بالحُكم عبر نجله أحمد.
وبالنسبة للوثيقة التي هي مقترحٌ للاستخبارات الأمريكية فإنها تمثل مقترحاً أولياً، وأنه في حال الموافقة عليه فإنه سيتم تزويدُ الوكالة الأمريكية بخطة مفصَّلة للتنفيذ.
في البدء تقول الوثيقة إن المقترح في حال الموافقة عليه فإنه سيعود بالاستقرار للجزيرة العربية وسيمكّن الولايات المتحدة من الحصول على موطئ قدم قوي في اليمن، وتشير إلى أن توقيت الاقتراح تم اختيارُه بعناية، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي في اليمن سيجعل اليمنيين يتقبلون أمريكا، وهي إشارة إلى نجاح الحرب الاقتصادية على اليمن، ويحدد المقترحَ عدة أسباب للتأكيد على أن التوقيت الزمني للمقترح كان صائباً.
أول تلك الأسباب أن الوضع الحالي لليمن مهيَّأ لتشكيل حكومة انتقالية وجيش معتدل أكثر ممن يسميهم بـ ”الحوثيين”، وهنا إشارة واضحة لطلب دعم الانقلاب على المجلس السياسي الأعلى وتشكيل حكومة من قبل زعيم الخيانة علي صالح بدعم أمريكي.
كما يؤكد المقترحُ أن الوضعَ الاقتصادي في اليمن حالياً ساهم في تناقص شعبية من وصفهم “الحوثيين” وهنا يظهر تفسير الحملات الإعلامية التي كانت تشُنُّها وسائلُ إعلام تابعةٌ لعلي صالح تحاول تحميل أنصارِ الله أسبابَ انقطاع المرتبات والوضع الإنساني وتتجاهل أن العدوان مَن يفرض الحصار على اليمن، وهو من نقل البنك المركزي إلى عدن.
كما يرى المقترح المقدم للوكالة الأمريكية أن الوضعَ في اليمن بات مهيئاً لإنشاء تحالف أمريكي يمني، كما يرى أنه إذا لم توافق أمريكا في الوقت الحالي فإن اليمن سيسقط تحت هيمنة روسيا وإيران، وهنا استخدامٌ وإغراءٌ للأمريكيين بورقة التنافس على النفوذ مع الروس.
ووفقاً للوثيقة فإن المقترحَ ينقسِمُ إلى قسمَين رئيسيين، الأول بعد تنفيذ الانقلاب على المجلس الأعلى، سيكون التعاون السري مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب بشكل كامل، وأن تتولى الاستخبارات الأمريكية اختيارَ العناصر المناسبة من قوات الجيش والأمن للتعاون في هذا المجال، أما القسم الثاني من المقترح فهو العمل مع الحكومة الأمريكية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وتوقيع اتفاقية دفاع مشترك، وهو ما يكشِفُ بشكل واضح نيةَ علي صالح تسليمَ اليمن للحماية الأمريكية، كما تفعل الأنظمة الخليجية.
ولتنفيذ القسم الأول من المقترح يقدم علي صالح عدة نقاط يطلب تنفيذها، حيث يخاطب الوكالة الأمريكية بالقول في النقطة الأولى “العمل بالتعاون مع وكالتكم (CIA) لاستهداف المجموعات الإرهابية في كُلّ الأراضي اليمنية”، ونقطة أخرى “مشاركة تقارير العمليات المحلية في مكافحة الإرهاب مع وكالتكم”، وكذلك “توفير الدعم العملياتي من قبل وكالتكم للعمليات في مكافحة الإرهاب”.
كما يطلب في المقترح لتنفيذ القسم الأول من الاتفاق نقطةً أخيرةً وخطيرةً وهي “نتيجة لصعوبة وتعقيد الوضع السياسي والأمني في اليمن فتمويلُ مقداره 3 ملايين دولار شهرياً يجب توفيره لتنفيذ هذا المشروع.. المئات من الأفراد في مختلف أنحاء اليمن سيكون علينا إعادة تشغيلهم لدعم هذا المشروع، وأيضاً الدعم اللوجيستي والتحرك بين المحافظات والتواصل مع مختلف المناطق أصبح أكثرَ صعوبة نتيجة للحرب الدائرة”.
ويقول المقترح مخاطباً الإدارة الأمريكية “إذا تم الموافقة على هذا المشروع من قبل وكالتكم سيتم تقديم خطة أكثر تفصيلاً عن المناطق المستهدفة”.
قواعدُ عسكرية وحقوقٌ حصرية نفطية لأمريكا
في المقترح الذي قدّمه علي صالح للأمريكيين كان واضحاً بشكل كبير أنه تم قبل أن ترفعَ السعودية الخطوط الحمراء الموضوعة حولَه بعدما كانت تعتقد أنها ستنتصر في اليمن بدونه؛ ولذلك كان الرجل يعتقد أن تقديمه عرضاً مغرياً بتسليم اليمن وقرارها وسيادتها وثروتها للأمريكيين سيجعلهم يوافقون على إعادته للحكم عبر نجله.
ففي الجانب السياسي من المقترح يخبر الأمريكيين أن اليمن لا يجب أن تكون تحت وصاية السعودية ولذلك وضع 15 نقطة قدّمها للأمريكيين، منها أولاً توقيع “اتفاقية دفاع مشترك بين الولايات المتحدة واليمن ستضمَنُ حماية ومراقبة أمريكية لممر باب المندب”، وثانياً “ضمن اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة سيسمح لأمريكا بإنشاء قاعدة بحرية أو جوية على الأراضي اليمنية”، كما يطلب في نقطة أخرى أن تقوم الولايات المتحدة بتطمين السعودية والدول الخليجية أن اليمنَ لن تمثِّلَ أيَّ تهديد لهم”.
ويتعهد في نقطة أخرى “سنعمل بشفافية مطلقة مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب ولن يكون هناك أي قيود تجاه ذلك”. أما في الجانب الاقتصادي فتقول إحدى النقاط “ستكون الأفضلية للشركات الأمريكية للتنقيب عن حقوق نفط جديدة في المناطق الشمالية في اليمن بشرط مشارَكة التجمّعات القبلية”، وهنا يظهر واضحاً حديثه عن شمال اليمن في إشارة لقبوله بالواقع الذي فرضته الإمارات جنوبي اليمن.
كما يقول في النقطة التالية “عندما يتوقف التدخُّل العسكري السعودي في اليمن ستنسحب القوات اليمنية من الأراضي السعودية”، ويضيف “كونوا على يقين تام أن الحوثيين بدون دعم الجيش اليمني لن يكونَ بمقدورهم الاستمرارُ في القتال على الحدود السعودية أو أي مكان آخر”، وهذه إشارةٌ واضحةٌ على مُخَطّط كشف الجبهات وتعكس أيضاً حجم الوهم الذي كان يعيشه ويجعله واثقاً بأن الجيش اليمني يدين له بالولاء.
كما يتعهَّدُ في آخر نقطة “سيتم فصل الدين عن الدولة، وسيتم حل كُلّ الأحزاب السياسية المعتمدة على الدين، وستعمل اليمن على دعم الإسلام المعتدل”، وهي النظرةُ القائمةُ للنظام الإماراتي الذي شكّلته ورعته الولايات المتحدة، وبالتالي فإنه يقترح على الأمريكيين أن يسلِّمَهم اليمن في كُلّ المجالات نظير أن يعودَ للحكم عبر نجله ويظل هو المتحكِّمَ صورياً بالقرار الذي سيكونُ وفقاً للمقترح بيد الولايات المتحدة.
النقاش: الوثائق تكشف أن خط الاتصال بين صالح وواشنطن استخباراتي ينحصر على العملاء
بعد اطلاعه على الوثائق التي تم استعراضُها، يعلِّقُ أنيس نقاش، وهو محلل سياسي ومنسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية، على تلك الوثائق ومضامين خطابِها قائلاً “يذكّرنا الرئيسُ علي عبدالله صالح قبل الثورة كيف كان يتعامل مع الأمريكان وكيف يتعامل مع الإرهَاب، فالسفير الأمريكي بصنعاء كان يقوم بالإعدام بطائرات بدون طيار وينسّق مع الرئيس علي صالح باتفاق مباشر”.
ويضيفُ النقاشُ أنه وبعد حُجّة توسع الإرهَاب “عاد صالح واستغل فرصة الحرب على اليمن يريد أن يقدِّمَ نفسَه مرة أُخْرَى وليذكّر الولايات المتحدة أنه ممكن يقدم لهم الخدمات من جديدة”.
وأضاف معلقاً على الوثيقة “هذه الرسالة لا توجه للخارجية الأمريكية بل ترسل عن طريق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية”، موضحاً أن “هذا دليل فعندما يكتب الإنسان (أرسل لكم عن طريق وكالتكم) يعني أن خط الاتصالَ بينه وبين الإدارة الأمريكية هو خط استخباراتي، وهذا لا يقوم به إلا العملاء”.
كما يوضح النقاش أن صالح لو أراد التعامل كرئيس سابق أو سياسي فإنه “ممكن كان يرسل الرسالة عبر الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض مباشرة”.
ويضيف أنه يبدو أن صالح كان “متعوداً على هذا الأسلوب من التعاون، ولذلك فكلمة الوكالة لا يستخدمُها إلّا المحترفون، بمعنى الوكالة، الاستخبارات المركزية الذي مختصرها السي آي أيه”.
ويضيف معلّقاً على صياغة الخطاب في الوثيقة: “السيناريو الذي فيها بحُجّة الإرهَاب أن يأخذ الأمريكي الحظوة، وأنا أعطيكم ما تريدون، وبالإمكان تضغطوا على السعودية شريكتكم بالحرب وأعود للحكم”.
تابع النقاش قائلاً “نعم هو يعرف أنه لن يستطيع أن يقول إنه شريكٌ للبيت الأبيض، ولا يستطيع أن يتحدث مع الرئيس الأمريكي بنفس المستوى، هو أقل من ذلك، هو يتعامَلُ مع البيت الابيض كعميل وناصح”، موضحاً أن ذلك ليس مقتصراً على صالح بل “الكثير من الرؤساء كانوا يعملون بهذه الطريقة”.
تقرير / إبراهيم السراجي
➖ ➖ ➖
?1000يوم من العدوان والصمود
#القدس_قضيتنا_الأولى