عفاش.. الصفقة الخاسرة!
ما حدَثَ من أعمالٍ فوضويةٍ مليشياوية عفاشية كانت أمراً محتمَلاً، ولم تكن مفاجئةً بالنسبة للكثيرين منذ إعلان الشراكة في المجلس السياسي الأعلى وحكومة الانقاذ الوطني، سيما أن صالح تأريخياً مشهورٌ بالغدر والخيانة من أيام الحَمْدي، مروراً بموقفه الانقلابي على الحزب الاشتراكي وموقفه من حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن)، وصولاً إلى انقلابه المسلَّح الواضح والمفضوح على الشراكة مع أنصار الله وحلفائهم وانقلابه حتى على شُرَفاء المؤتمر في ظل هذا الظرف الاستثنائي والحسّاس.
نتذكر جيداً أن زعيمَ الميليشيات، علي صالح عفاش، على مدى أشهر بعد انطلاق العدوان مطلع العام 2015 التزمَ الصمتَ، وحينما تعرَّضَ منزلُه في شارع صخر للقصف من قبل الطيران السعودي أعلن من طرف واحد تحالُفَه مع أنصار الله؛ ليس غضباً للوطن؛ ولا حرصاً على تحَمُّلِ المسؤولية الوطنية، بقدرِ ما هو غضبٌ شخصي، وكان استهدافُ منزله عملاً تأديبياً له بعدَ أن خيَّبَ طلب “تحالف العدوان” في الانضمام إلى صَفِّهم مقابل عروضٍ مُغرية، ليس لأنه رجلٌ شريفٌ وإنما لأنه كان يرى أن التوقيتَ ليس في مصلحته حتى لا يُحرَقَ شعبياً ويفشلَ بالفاضي، سيما أنه كان “ميتاً سياسياً واجتماعياً”، والتعبيرُ هنا لوزير الإعلام في حكومة الإنقاذ.
ومن باب الشرَاكة والتحالُف مع أنصار الله عاد إلى الواجهة السياسية وإلى الحَياة من جديد متلبساً بقِناع القوى الحُرَّة المناهضة لقوى العدوان، مع أن ذلك الحمل أثقلَه؛ لأنَّه لم يكن أهلاً لحَمْلِ المسؤولية، فمواقفةٌ غلب عليها التذبذب ولم تتجاوز الموقف الكلامي مع إبقائهم على رِجْلٍ في الرياض ورجل في أبو ظبي وكثير من عواصم العدوان ووفّر الغطاءَ لخوَنة محسوبين على حزب المؤتمر يسرحون ويمرحون بين صنعاء والرياض، حتى الوفد المفاوض لهم أتذكر أنهم طاروا من سلطنة عمان إلى الإمارات لـ “زيارة أحمد علي”، كما ادَّعوا حينها، وكانت زيارة مريبة، إذ كيف لأعضاء في الوفد الوطني المفاوض أن يزوروا دولةً تمثل رأسَ حربة في العدوان على اليمن دون أن تكونَ هناك أشياءُ تجري تحت الطاولة؟!.
صالح وفريقُه مارسوا على المستوى السياسي دورَ المعطِّل والمعرقِل لكثير من الأمور الضرورية في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تعيشُها البلادُ، ومن بينها ضرورةُ “فرض قانون الطوارئ” وَ”محارَبة الفساد” و”تفعيل القضاء والأجهزة الرقابية”، وعمد عبرَ رجالاته إلى نهب الإيرادات العامة والاستحواذ عليها، وفي الوقت نفسه مارَسَ سياسياً وإعلامياً دوراً لا يختلفُ عن قوى العدوان في شيطنة أنصار الله وغيرها من المكونات الحُرَّة والشريفة، وكأننا في سباقٍ انتخابي وليس في حرب، وكم يا طعنات في الظهر ضد أنصار الله وهم يلزمون ضبْطَ النفس؛ حرصاً على المصلحة العليا للبلاد وحرصاً على “الصفّ الوطني”.
بعدَ ثلاث سنوات من اللعب والخداع والمكر الذي مارسه علي صالح، سقطت تلك الأقنعةُ المزيَّفةُ؛ لتكشف عن الوجه القبيح الذي عرفنا به صالح طيلةَ ثلاثة عقود، بانقلابه الفاضح الواضح والمفضوح مع مليشياته بالموقف والسلاح على الشراكة وتمرُّدهم على الشرعية والإرادة الشعبية التي أيَّدوها ممثلةً بالمجلس السياسي الأعلى.
ما حصل إذن كان “معركة مؤجَّلة”، وورقةً أخيرةً وجزءً من خطة أمريكية سعودية إماراتية لجأت إليها قوى العدوان بعدَ فشلها في تأزيم الوضع السياسي في لبنان، وفي هذا السياق تكشفُ المعلوماتُ عن اتصالات بين صالح والسعودية والإمارات؛ للترتيب لهذه الخطوة الانقلابية، وإقدام صالح على تنفيذِ هذه الخطة يثبت أنه مجرد زعيم عصابة ليس إلا، وإلا كيف تخلى بين عشية وضحاها عن شرف “الدفاع عن الوطن” كيف أعلن بهذا العجَل “فتح صفحة جديدة مع قوى التحالف”، متناسياً كُلَّ الجرائم والمجازر والدمار والحصار الذي تمارسُه هذه القوى بحق الشعب، وكيف سقطت صفحة البؤس والحصار والدمار من خطاباته الرنانة؟ لماذا وضع نفسَه ومليشياته وبشكل صريح ومفضوح في خندق قوى العدوان لمقاتلة القوى الوطنية التي دافعت عن الوطن والمواطنين وبكل ما أوتيت من قوة منذ بداية العدوان؟ لماذا تخلّفت هذه الميلشيات عن شرف الدفاع في جبهات الشرف لمواجهة العدوان، وتعنترت في العاصمة صنعاء المكتظَّة بالسكان من مختلف المحافظات والأحزاب؟ ولماذا يريدون إقلاقَ السكنية العامة في صنعاء التي أَصْبَحت الملاذَ الآمنَ للملايين من النازحين من نيران العدوان الذي يقفُ صالح وميلشياته اليومَ وللأسف الشديد في خندقه.
لطالما توجَّس الكثيرون من المعسكرات التي أنشأها صالح خارجَ القانون في صنعاء وإب وشبوة، من أن يكونَ هذا الرجلُ الغدارُ يجهِّزُها للانقلاب من الداخل بحكم تواصلاته المستمرة مع أبو ظبي تحديداً؛ ليتضح جلياً أن هذه المعسكرات لا تختلف عن معسكرات المرتزِقة ضد إرادة الشعب المبغي عليه والمعتدَى عليه والمحاصَر، وهناك معلومات أن الإمارات أرسلت أسلحةً لميليشيات صالح، وهذا يكشف أن هذه الخطوة لم تكن وليدةَ اللحظة، بل هي نتاجُ تخطيط وعمل مستمر مع قوى العدوان منذ أمد بعيد.
صالح إذن دخل مغامرةً خطيرةً ذات بُعد إقليمي ودولي، وهي مغامرةٌ غيرُ محسوبة النتائج وقد لا ينجو منها هو وميليشياته، وكان عليه أن يستفيد وهو العجوز الحاذق من تجارب من دفعت بهم السعودية إلى مغامراتٍ مماثلة ووجدوا أنفسَهم خارج المعادلة تماماً، بل أَصْبَحوا منبوذين شعبيّاً وسياسيّاً خارج البلاد، كان عليه أن يتلقَّفَ خطابَ التهدئة ودعوةَ المراجَعة التي أطلقها قائدُ الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بدلاً عن الانخداع بوعود قوى العدوان وعقد صفقة الخيانة معهم.
إنَّ مباركةَ قوى العدوان لهذا الانقلاب على الشراكة والتنكُّر لتضحيات وصمود الشعب ووصفها له بـ “الانتفاضة” وعلى وجه السرعة يكشفُ أن صالح عقد صفقةً خاسرةً مع دول العدوان، وبات يتلقى توجيهاتِه من الرياض وأبو ظبي، وهو بهذا أحرق كرتَه وسقط كما سقط مَن سبقوه وقال بأنهم “خبزي والعجين”، وبالتالي فإن مصيرَه لن يختلفَ عن مصير مَن سبقوه، وعلى الباغي تدورُ الدوائر.
✍علي ظافر
➖ ➖ ➖