جردة حساب لحكومة “الإنقاذ”
عامٌ مر على إعلان تشكيل “حكومة الإنقاذ الوطني”، التي غلب عليها منذ ولادتها طابعُ “المراضاة” و”المحاصصة ” أكثر من الصفة الملازمة لها “الإنقاذ الوطني” حتى في تشكيلتها التي حطّمت الرقم القياسي 42 حقيبة في سابقة قد تكون الأولى من نوعها، حتى “تشمل ألوان الطيف اليمني” كما قيل حينها.
قبلَ جردة الحساب لتقييم أداء الحكومة وإصدار أحكام عليها بالفشل من عدمه، ينبغي أن نُلفتَ إلى أن الحكومة وُلدت من رحم تحديات فرضها العدوان والحصار الجائر وتتصاعد يوماً إثر يوم، ومن أبرز تلك التحديات والأزمات أزمةُ انقطاع المرتبات، أزمة المشتقات النفطية، واختلالات وفساد مستشرٍ داخل أروقة الوزارات نفسها ومنذ سنوات خلت.
في الـ 28 من نوفمبر عام 2016 أعلن المجلس السياسي الأعلى برئاسة صالح الصماد عن ولادة هذه الحكومة بهدف ترتيب الأوضاع الداخلية ومواجهة العدوان اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.
في تلك الظروف كان الجميعُ يأمل من حكومة الإنقاذ مواجهة هذه المشاكل والحد منها ولا نقولُ حلها بشكل جذري؛ لأن الحكومة في الأخير لا تملك عصاً سحرية لحل كُلّ شيء في ظل ظروف استثنائية بالغة التعقيد، فمن الصعب حل كُلّ المشاكل في عام واحد، لكن الملاحظ أن البعضَ في الحكومة انشغلت أكثرَ من أي شيء آخر بالسباق نحو حيازة حصة الأسد في المناصب والتعيينات وإصدار أوامر وتوجيهات لتثبيت الكوادر وبمحسوبية منقطعة النظير، وفيما غلب على الحكومة سمةُ المحاصصة، غابت حصةُ الشعب في أدائها ومسؤولياتها في حلحلة الإشكالات القائمة ومواجهة التحديات الراهنة.
من هُنا فإن المكاسبَ السياسية الضيّقة كانت هي الغالبة على صفة الوطنية، خصوصاً ونحن نمر بواقع معقَّد على الصعيد الإنساني والمعيشي والخدمي وغيره.
في ظل هذا الواقع، وتعثر إن لم نقل فشل الأداء الحكومي في كثير من الملفات، وبروز مشاكل في هذه الوزارة أو تلك، خرج مَن يطالب بـ “تشكيل حكومة مصغرة من 11 حقيبة وزارية”، وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك بالمطالبة بـ “إقالة الحكومة” وتبنى هذه الدعوة “الأحزاب المناهضة للعدوان” في مؤتمر صحفي عقدته في العاصمة صنعاء قبل أسبوعين، لتخرج بعدها “أحزاب التحالف الوطني” التابعة للمؤتمر للرد على ما جاء في بيان حلفاء أنصار الله، وبهذا دخلت المكونات في سجال سياسي عقيم لن يحل الوضع ولن يعالج المشكلة بقدر ما يدفع إلى مزيد من التأزيم وربما يدفع بالواقع إلى الفراغ، الذي تحرص قوى العدوان أن يكون سيد المشهد.
ونحن هنا ينبغي أن نتذكر أن من أبرز الدوافع لتشكيل “حكومة الإنقاذ” هو سد الفراغ السياسي الذي خلّقته قوى العدوان وأصرت على تثبيته واقعاً من خلال خطواته التي سبقت العدوان ورافقته بتعنُّتِها وتعطيلها وإفشالها لمفاوضات الكويت وبعدها “اتفاق مسقط” ورفضهم الذهابَ إلى حل سياسي يضمن الشراكة للجميع، فكان الذهاب لتشكيل حكومة إنقاذ وطني مكونة من المؤتمر وحلفائه وأنصار الله وحلفائهم خياراً وضرورةً ملحةً لمواجهة العدوان ورفد الجبهات ومواجهة التحديات.
خلاصة الخلاصة أن “حكومة الإنقاذ قاصرة ومقصّرة” كما قال قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين، وهو بهذا يعبر عن ما يراه الشارع اليمني، فالحكومة خلال عام لم تكن بمستوى الطموح الشعبي التي باركَها وعلّق آماله عليها، لكن لا زلنا نؤمل ولسنا من دُعاة حل الحكومة والدخول في فراغ سياسي، ولسنا مِن مؤيدي التعطيل والمحاصصة، بل نطالب كمواطنين يمنيين بمعالجة الاختلال الحاصل منذ البداية والذي قام على أساس المراضاة والمحاصصة، ومَن ليس كفؤاً لمهمته أو لم يكن نزيهاً، أو فاسداً يتم إعفاؤه من منصبه أو بالأحرى من مسؤوليته التي قصّر فيها أو أساء إليها ويتم اختيارُ بديلٍ عنه كفؤ للقيام بالمسؤولية وجدير بحمل الأمانة، بمعنى أن يكونَ هناك تعديلاتٌ وزارية قائمة على مبدأ تغليب المصلحة العليا للبلاد، وهذا يقتضي أن تراجِعَ الحكومة أداءَها ومن فوقها المجلس السياسي الأعلى لدراسة مكامِن الخلل، وإيجاد الحلول والمعالجات وعلى الجميع أن يكونوا بمستوى المسؤولية المناطة بهم والتحديات المفروضة عليهم بعيداً عن السجال والكيد السياسي فالمرحلة ليست مرحلة انتخابات ولا مناكفات.