الأبعاد الاستراتيجية للرسالة الصاروخية اليمنية على الرياض
ليست المرة الأولى التي تُستهدف مواقع ونقاط عسكرية داخل العمق السعودي بصواريخ باليستية يمنية، فقد شهدنا خلال حرب التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية على اليمن العديد من تلك الاستهدافات، والتي كانت لافتة في الدقة وفي المدى وفي اختيار اهداف حيوية واستراتيجية، ولكن قد يكون للصاروخ الاخير نوع (بركان 2h) والذي اصاب بنجاح قاعدة الملك خالد الجوية في الرياض – وقعا آخرا وتأثيرا مختلفا، نظرا للابعاد الاستراتيجية التي يحملها، والتي ربما تؤسس لنقطة مفصلية في تلك الحرب الظالمة.
في الشكل
– لقد كان استهدافا ناجحا بكل معنى الكلمة، حيث تجاوزت مسافة الاطلاق 800 كلم، و قد تجاوز العديد من المنظومات الصاروخية المضادة للصواريخ، والتي من المفترض انها منتشرة انطلاقا من الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن وامتدادا الى العمق السعودي، كما انه اصاب هدفه بدقة متناهية، بالرغم من التحضير المفترض لمواجهة هذا النوع من الصواريخ، حيث يوجد دائما تهديدٌ علني مفتوح من القوة الصاروخية اليمنية باستهداف مواقع حيوية واستراتيجية سعودية.
– لقد فرض هذا الاستهداف الناجح تساؤلا حول مدى فعالية المنظومات الصاروخية التي تشتريها المملكة من الولايات المتحدة الاميركية، وهل ان فشل هذه المنظومات في اعتراض الصواريخ مهما كان مصدرها، هو بسبب جهل وعدم كفاءة طاقمها من العسكريين السعوديين وعدم خبرتهم الكافية لذلك، اما السبب هو ان هذه المنظومات قد سُلمت اساسا لوحدة الدفاع الصاروخي السعودية وهي غير كاملة فنيا وتقنيا لاسباب مقصودة، والتي قد تكون بطلب سابق اسرائيلي – ربما اليوم هو غير مطلوب بعد التقارب الواضح مع المملكة – او التي قد تكون عن قصد اميركي لخلق الفرصة المناسبة لتسعير الحرب بين اليمن والسعودية، الامر الذي يخدم استراتيجية الولايات المتحدة البعيدة، في الارتماء السعودي اكثر بحضنها، و في متابعة رفد سوق السلاح والاقتصاد الاميركي بمبالغ ضخمة بشكل منتظم؟
في التوقيت
– لقد حصل الاستهداف الصاروخي للرياض في ظل حرب مسعورة ديبلوماسيا وسياسيا، تشترك فيها بفعالية وبتنسيق واضح السعودية مع اسرائيل ضد ايران وحزب الله، وجاء هذا الاستهداف الصاروخي لعاصمة المملكة ليواكب دعاية اعلامية سعودية – اسرائيلية مشتركة، لتبرير اتهام ايران وحزب الله بدعم اليمن في مواجهة حرب التحالف السعودي ضدها، الامر الذي اعتبروه (الاسرائيليون والسعوديون) ممنوعا ومُحرّما، وكأن المطلوب هو ترك الشعب اليمني المظلوم وحيدا في هذه المواجهة، لانها في نظرهم مواجهة مشروعة تغطيها الامم المتحدة ومؤسساتها المُرتهنة الساكتة عن جرائم الحرب وعن الجرائم ضد الانسانية.
– يتواكب ايضا الاستهداف الصاروخي اليمني الناجح للرياض مع فشل كامل للملكة العربية السعودية في كل الامكنة التي غمّست يديها داخلها ظلماً، فسوريا تتحرر من الارهاب والدولة السورية تتماسك اكثر واكثر، والجيش العربي السوري ينتصر على من دعمتهم دائما المملكة، والعراق يتحرر ايضا وهو على الطريق لاكمال تدمير التنظيم الارهابي الذي نما وانتشر بعنايتها، واليمن صامد في جبهاته وثابت على مواقفه حيث المملكة تتخبط في مستنقعه.
– و من ناحية اخرى، ومع الحركة الغريبة داخل المملكة، حيث الابعاد الحقيقية للتوقيفات الواسعة داخل العائلة الحاكمة غير مفهومة، والتي هي بالطبع لا تنحصر باتهام الموقوفين بالفساد فقط، بل اللافت انها تناولت اغلب معارضي ولي العهد، والتي قد لا يمكن حصر تداعياتها في المدى المنظور، جاء استهداف الرياض بصاروخ باليستي يمني ليشكل انذارا خطرا جديا من الخارج، وليضاف الى التشرذم والتوتر في هذه اللحظة الحرجة داخليا.
واخيرا … من الواضح انه لم يتبق في جعبة المملكة غير مناورة الهروب نحو الامام، وهي في ذلك تبحث جاهدة عن الشرارة التي تشعل حربا في المنطقة، اذ تتبرع بان تقدم لاسرائيل التغطية الكاملة لهذه الحرب، في عرض التمويل، او في تقديم المبررات والحجج، وحيث نجدها تذهب بعيدا نحو الارتماء بحضنها على خلفية طلب الحماية من العدو المشترك، نجد انها قد قطعت في العلن اكثر من نصف الطريق نحو التطبيع معها، بعد ان كانت قد قطعت في الخفاء اغلب تلك الطريق