“المنسيون خلف الشمس في مملكة قرن الشيطان”
إيمان قاده إلى غياهب السجن.
منذ سنوات، وخاصة منذ موجة الربيع العربي التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سنة 2011، والناشط الحقوقي والمحامي السعودي وليد أبو الخير يتعرض لـ”مضايقات ممنهجة وواضحة”، حسبما قال في تصريح لـ”راديو سوا”. والسبب، يقول أبو الخير، هو نضاله الدائم من أجل الإصلاح في المملكة العربية السعودية ودفاعه عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في البلاد.
يتابع “مع مرور الوقت، تحولت المضايقات إلى تحقيقات أمنية ومنع من السفر ومحاكمات.. وأخيرا حكم بالسجن”.
لتخليص نفسه من هذه المعاناة، لم يكن على أبو الخير سوى قبول عرض السلطات السعودية بالتوقيع على تعهد والتوقف عن كافة النشاطات الحقوقية والإعلامية، لكنه اختار أن يبقى وفيا لمبادئه والسير على خطى من سبقوه من النشطاء الحقوقيين والإصلاحيين
ما الجرم الذي ارتكبه هذا المحامي الشاب؟في 24 شباط/فبراير، أيدت محكمة الاستئناف بجدة حكم السجن النافذ لثلاثة أشهر في حق وليد أبو الخير المتابع بتهمة ازدراء القضاء. يوضح أبو الخير أنه حكم عليه بالحبس ثلاثة أشهر، لمجرد أنه وقع على بيان يندد بمحاكمة “إصلاحيي جدة” وطالب بالإفراج عنهم.
يتحدث هذا الحقوقي عن “قضية ثانية لا تزال معروضة على القضاء بتهم الخروج على ولي الأمر والتواصل مع جهات أجنبية وإعلامية وتشويه سمعة المملكة وتأليب الرأي العام”. ورفعت ضد أبو الخير قضية ثالثة بسبب إنشائه لـ”ديوانية غير مرخص لها” تعنى بالإصلاح والنشاط الحقوقي.
بالنسبة لأبو الخير، كان تأييد الحكم في الاستئناف “متوقعا جدا” لأنها ضريبة الدفاع عن حقوق الإنسان والثبات على المبادئ في المملكة.
وفي رأي الناشط السعودي، “تدخل هذه المحاكمات في إطار حملة تطال جميع الحقوقيين في السعودية خاصة بعد موجة الربيع العربي”.
ويسترسل أبو الخير قائلا إن “بعض الأنظمة تجاوبت مع مطالب الشعب وبعضها الآخر توحش وزاد قمعه بحجة أن هذه المطالب تهدد أمن البلاد”.
حرية رأي مغتصبة وعدالة ضائعة
ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في آخر تقرير أصدرته عن وضعية حقوق الإنسان، بأن السعودية قد صعدت سنة 2013 من حملات توقيف ومحاكمة المعارضين السلميين. وأضافت أنه على غرار الأعوام الماضية، خضع آلاف الأشخاص لمحاكمات غير عادلة وتعرض آخرون للاحتجاز التعسفي.
والجدير بالذكر أن المحكمة الجنائية بالرياض حكمت في 9 آذار/مارس من السنة الماضية على الناشطين الحقوقيين محمد القحطاني وعبد الله الحامد بالسجن 10 و11 سنة على التوالي، وبحظر السفر لمدد طويلة بعد قضاء العقوبة وذلك بعد إدانتهما باتهامات منها “الخروج على ولي الأمر” و”إنشاء منظمة غير مرخصة”.
كما قضى الحكم بحل منظمتهما وهي الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية.
وحكمت محكمة في البريدة في تموز/يوليو على الناشط في الجمعية عبد الكريم الخضر بالسجن ثمانية أعوام بناء على اتهامات مشابهة.
ويعتبر الحقوقي والمحامي عبد العزيز الشبيلي سنة 2013 الأسوأ على مستوى حقوق الإنسان في السعودية، من حيث عدد الاعتقالات والمحاكمات التي تعرض لها الناشطون الحقوقيون.
ويضيف الشبيلي أنه بعد صدور قانون مكافحة الإرهاب أصبح هناك خلط مقصود بين السجناء الأمنيين (سجناء الرأي) والمتورطين أو المشتبه في تورطهم بأعمال عنف بغرض انتهاك حقوق الناشطين.ويقول “إنه نظام مجحف ويصادر جميع حقوق المواطنة فضلا عن حرية الرأي والتعبير”.
وسبق لمنظمة العفو الدولية أن انتقدت السلطات السعودية بسبب “استغلالها لقانون مكافحة الإرهاب للقبض على نشطاء معارضين”.
ووجهت الولايات المتحدة في 27 شباط/فبراير الماضي من خلال التقرير السنوي الذي تصدره حول حقوق الإنسان في العالم انتقادات شديدة للسعودية تخص لا سيما التضييق على حرية التعبير والاعتقالات التي يتعرض لها الحقوقيون والقادة الليبراليون بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة والممارسات غير الإنسانية داخل السجون.
غير أن هيئة حقوق الإنسان السعودية دحضت على لسان نائب رئيسها زيد بن عبد المحسن آل حسين في مطلع الأسبوع الجاري ما أسمته “الافتراءات والاتهامات التي تسوقها جهات مناوئة تحاول النيل من المملكة وتشكك في مراعاتها لحقوق مواطنيها والمقيمين على أرضها”.
أهواء الدولة تتحكم في القضاء
في رأي الحقوقي أبو الخير، “تتحكم أهواء الدولة بشكل تام في القضاء الذي أصبح متورطا بشكل كبير في انتهاكات حقوق الإنسان وذلك عبر إصدار أحكام قاسية على معتقلي الرأي”.
وفي السياق ذاته، يؤكد المحامي عبد العزيز الشبيلي أن المتابعين في قضايا الرأي لا يحظون بمحاكمات عادلة، موضحا أنه غالبا ما تحال ملفات الحقوقيين إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة التي يصفها بالـ”مجحفة والفاقدة للعدالة والمشروعية”.
وتخضع هذه المحكمة بشكل كبير لوزارة الداخلية، حسبما قال الشبيلي، مضيفا أنه بموجب قانون مكافحة الإرهاب، فإن لوزير الداخلية الصلاحية في نقض الحكم القضائي وفي الأمر بالاعتقال المباشر ومن دون تسبيب قضائي.
ووجهت منظمة “هيومن رايتس ووتش” رسالة إلى الرئيس باراك أوباما، بمناسبة الزيارة التي سيقوم بها إلى السعودية خلال الشهر الجاري، لتضمين قضايا حقوق الإنسان في مباحثاته مع المسؤولين السعوديين.
“معاملة لا إنسانية” داخل السجون
أكد نائب مدير مركز الخليج لحقوق الإنسان خالد إبراهيم أن حالة المدافعين عن حقوق الإنسان داخل سجون المملكة تتعارض مع أحكام الأمم المتحدة حول “القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء”.
وقال في هذا الصدد إنه لا يسمح لمعتقلي الرأي بمقابلة محاميهم بانتظام أو الحصول على معلومات عن المواعيد المتوقعة للمحاكمات أو الإجراءات الخاصة بقضاياهم كما أن الاستجوابات تستغرق وقتا طويلا وغالبا ما تحدث في أوقات غير مناسبة من اليوم.
وفي بعض الحالات، يترك هؤلاء لعدة أشهر بين الاستجوابات دون اتخاذ أي إجراء ضدهم. وعلاوة على ذلك، يضيف خالد إبراهيم، أنه لا يسمح لهم بالالتقاء مباشرة مع أفراد أسرهم.
وفي المحكمة، لا يعطى للعديد من الحقوقيين معلومات كافية عن قضاياهم، وكثيرا ما يرفض القضاة منحهم الوقت المناسب لمناقشة هذه الاتهامات وإعداد قضيتهم، حسب تعبير خالد إبراهيم. وطالب هذا الأخير الرياض باحترام التزاماتها الدولية وإسقاط جميع الملاحقات القانونية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والسماح لهم بممارسة حقوقهم ومواصلة نشاطهم السلمي دون خوف من المتابعة أو السجن.
تعرية وتعليق
أما الناشط عبد العزيز الشبيلي فيقول بخصوص الانتهاكات التي يتعرض لها معتقلو الرأي داخل السجون، “تعرض زميلنا في جمعية حسم صالح العشوان للتعذيب المباشر والتعرية الجسدية الكاملة وللتعليق”.
وأضاف أن “محمد الجادي تعرض للحبس الانفرادي في حين تم الزج بنشطاء آخرين مثل عبد الكريم خضر ومحمد القحطاني وعمر السعيد وخزام حربي في السجون العامة مع المجرمين”.
حاولنا الاتصال بعدة مسؤولين سعوديين لتقديم وجهة نظر الجانب الآخر حول الموضوع، لكن جميعهم اعتذروا عن تقديم أي تعليق باستثناء عضو مجلس الشورى السابق محمد آل زلفة الذي اكتفى بالقول إنه “لا يوجد سجناء رأي في السعودية”.
وعلى غرار محمد آل زلفة، سبق لوزير العدل السعودي محمد العيسى أن نفى بدوره في تصريحات للصحافة وجود معتقلين في قضايا رأي في بلاده، واصفا مصطلح سجناء الرأي بـ”البدعة” التي تسيء لسمعة المملكة.
وأمام إنكار السلطات السعودية لوجود فئة من الموقوفين أو المتابعين من أمثال وليد أبو الخير، لا يزال هذا الأخير يترقب لحظة اعتقاله في أي وقت تنفيذا للحكم الصادر في حقه. لكنه يقول إن الانتظار لم يهز روحه “المطمئنة والراضية” عن وفائه لقضية الدفاع عن حقوق الإنسان.
كلمات رئيسية السعودية,حقوق الانسان,سجناء الرأي,وليد أبو الخير