تاريخ مملكة قرن الشيطان : واجتاح “التتار” السعودي مكة المكرمة!!
واجتاح “التتار” السعودي مكة المكرمة!!
د/ ناصر السعيد
وأي “تكريم” حصل لمكة المكرمة؟… يقول العطار السعودي في أقل وصف وصفه كاتب لاجتياح جيش اليهود السعودي: (هرع الناس من الطائف إلى مكة، وانتشرت قبلهم أخبار راعبة مقلقة أن “الاخوان السعوديين” أو المدينة 1 قسات غلاظ، بل نشرتها الحكومة الهاشمية في الجرائد باحرف بارزة مذبح الطائف
حتّى خافت مكة كلها وزادها هلعا القادمون من الطائف فقد كانوا يروون اخبارا وحشية غريبة مخيفة مريعة، وبدت العاصمة المقدسة كمأتم تشترك فيه الامة كلها ففي كل حي بكاء وقراءة على أرواح
الشهداء، وفي كل دار استعداد للسفر، بل جلا عن مكة الاغنياء واسرهم وأخذوا معهم أموالهم وكان أول الجالين بقايا المصطافين في الطائف لأنهم جزموا أن الاخوان والبدو السعوديين سيفعلون بمكة ما فعلوه بالطائف من مجازر رهيبة فهربوا إلى جدة.
وكنا نحن أيضا من الجالين الى جدة، إلا أبي رحمه الله، فقد أقام بمكة لأنها أقدس بقعة وآمنها على ظهر الأرض على الاطلاق… وقد ودعنا ونحن راحلون إلى جدة بالرغم عنه فراراً بالروح والمال، قائلا: اّنه سيعتكف في المسجد الحرام فان قتل فما يكره الموت في رحاب طاهرة يستقبل وجه ربه الكريم بالشهادة:
وكان خالي الذي تلظى بفاجعة الطائف هو الذي حملنا على الرحيل فاكترينا الحمير ومشى الشبان، أما نحن الاطفال فقد ركبنا من حسن حظنا ورحلنا في الصباح، وكان طريق جدة كالمحشر، أطفال ونساء ورجال وصبيان يحملون الطعام والنقود وما غلا ثمناً وخف وزناً، وكلهم يحث السير إلى جدة “هربا من وحوش آل سعود”. وصلنا الشميس فسمعنا أن الاخوان دخلوا مكة وكان ذلك في 9 ربيع الأول سنة 1343 ونهبوها وهاهم يتعقبون الفارين فشددنا الرحيل إلى بحره فسمعنا الاشاعات بأن الوحوش المدينة نهبوا الشميس وهاهم الينا فنهضنا إلى أم السلم ووجدنا جوها “مكهربا” بالاشاعات المرعبة أيضاً فلم ننزل بها وواصلنا السير حّتى بلغنا جدة في منتصف الليل، غير أن الاشاعات كالبرق في السرعة سبقتنا إليها فسمعنا بفظائع الاخوان، وقضينا أياما في قلق واضطراب حّتى جاءنا كتاب من أبي يبشرنا بأن الاخوان لم يدخلوا مكة!، فرجعت أنا واحد اخوتي إلى أبي لأنه رغب أن نكون معه في وحشته، ووجدنا مكة كالمقبرة في الصمت الرهيب والسكون الشامل والدكاكين المغلقة، والمناحات والمآتم.
ونقصد من هذا أن نقول: أن مكة لم تطمئن بعد مجازر الحوية والطائف والهدي بل كانت قلقة تطحنها الآلام فهي تنتظر البلاء والفاجعة بين الفينة والفينة مستسلمة لقضاء والقدر:
ومضت أيام ومكة حزينة مرجفة خائفة وازداد خوفها عندما تنازل الملك الحسين وبارحها إلى جدة ومنها إلى العقبة إلا أن قدوم الملك علي إليها في يوم الاربعاء 9 ربيع الأول هدأ مخاوفها الفاتكة قليلاً واستعد للدفاع عن مكة ولبث اسبوعاً واحداً فيها ثم أتته الاخبار في يوم الثلاثاء 15 ربيع الأول ( 14 اكتوبر 1924 م) بأن الاخوان قد وصلوا اليوم إلى الزيما وتبعد عن مكة 44 كيلو مترا فرأى أن ما معه من الجيش وهو لا يبلغ الخمسمائة لا يستطيع حرب الاخوان “ال 50000 ” وليس من الحزامة أن يقاتلهم وهو معتقد أن الهزيمة تصيبه إذا ما اشتبك بهم فرحل باربعمائة من جيشه إلى جده وقال أنه سيحاربهم منها حتّى يخرجهم من الحجاز وترك بعض الجنود لحفظ الامن الداخلي، غير أن من بقي بمكة من الاهلين
صمموا على الدفاع ان صنع بهم الجند السعودي المتوحش ما صنع بأهل الطائف.ولقد تسللت مجموعات كبيرة من الاخوان بطرق خفية… وساد القلق والاضطراب والاشاعات المركزة التي يلهبها الاتباع السعوديين… ومضى على مكة بعد مغادرة الملك علي يومان كانت في خلالها فريسة لقلب عاصف شديد ووجد الفرصة كل طامع ومجرم واثيم من الاخوان واتباعهم ونهبوا بعض مراكز
الحكومة وقام بدور من”اخوان مكة” بالنهب والسلب. ولكن لم يقربوا الاهلين بسوء كما في الطائف.بل كانوا ينهبون دور الحكومة فقط، وشاركهم بعض فقراء مكة العتاة وأخذوا نصيبهم حّتى إذا بدأ القمر في ليلة السابع ع شر من ربيع الأول 16 اكتوبر سنة 1924 م بدت معه طلائع الاخوان “الرسميين”
ووصلت المعابدة أول مكة للقادم من الطائف وفي الصباح دخل ابن لؤي وابن بجاد ببقية الجيش مشاة وركبانا عراة ومحرمين “!” وطافوا وسعوا “!” ثم ارتدوا ملابسهم وجاسوا خلال مكة وفي شوارعها الرئيسية وتدفقوا الى مراكز الحكومة يحتلونها “!” ونزل القائدان قصر الشريف واستقبلا كبار أهل مكة
وأخذ منهم الطاعة لابن سعود “طاعة بالاكراه”)…
ويتابع العطار قوله: (وكان بعض الاعراب من الغطغط “الاخوان السعوديين” في الاسواق يسألون أهل مكة: أين بيت خيشة؟ ولكن المكيين لا يعرفون أحدا يكنى هذه الكنية!، فكانوا يجيبون: لا نعرف، وأخيرا عرفوا صاحب هذه الكنية، عرفوا أن هؤلاء سموا الحسين “أبا خيشة” ولكنهم أجلاف وكفى!.
ونهبوا ما وجدوا في بيت الشريف الحسين من “علب المربيات” والساعات والمفروشات وكل غال ورخيص وباعوها بثمن بخس وقد رأى الم ّ كيون البدو يعرضون ما نهبوا للبيع فاضربوا عن شراء شئ
منه، ولكن رخص الثمن أغرى بعضهم أخيرا فالبدو يبيعون “العلبة” من عصير المانجة “الامبة” بما يوافق مليمين، ويبيعون بهذا علبة الكريز والخوخ والاناناس كما يبيعون الساعة الجديدة بعشرة قروش
ويبيعون البساط العجمي الكبير بعشرين ريالا وهكذا… “وقد فتكوا بكل من رفض شراء أي شئ من هذه السلع… كل ذلك حدث بعد الاحرام والطواف والسعي!… ليتأكد من ذلك أنه لا ايمان لهؤلاء الجنود بدين أو مثل”… بل رأوا المرايا الكبيرة فظنوها لاول مرة ما يشبه البيت أو الغرفة بها اناس حينما راوا صورهم بها فحطموها ثم ظنوها سحرا كما خيل اليهم أن في الساعة شيطانا يهمس وذلك حينما يسمعون دقاتها. لقد أطلقوا الرصاص على صورهم المنعكسة في المرايا حينما رأوا البنادق التي يحملونها اليهم)!… وهذا ما يثبت همجية موجههم ابن السعود وهمجيتهم من بعده”!… ومن جدة، تحرك اعضاء الحزب الوطني، وقام وفد منهم قوامه عشرة افراد منهم عبد الرؤوف الصبان لمقابلة القائدين السعوديين “للاخوان” وذلك في 3 ربيع الثاني للمفاوضة معهما في الصلح!.
ولم يكونوا مندوبين من قبل علي، بل كان فيهم من اشتهر بمناوأته لآل الحسين ومصادقته لآل سعود ومنهم
محمد نصيف، وزعموا أنهم جاءوا تطوعاً بحجة انقاذ البلاد من كارثة تجر إليها جرا، واجيبوا من القائدين “ان الصلح لا يمكن أن يكون إلا بخلع الملك علي!”، فغادر الوفد مكة مخفقا، وما فعله هؤلاء يعتبر في عرف الشرائع الدينية والقوانين الوطنية خيانة عظمى لاتصالهم بالعدو واظهار ضعف المقاومة والبلاد، ولقد لعب هؤلاء الاغنياء وكبار الموظفين دور السماسرة لدخول الاحتلال السعودي، بعضهم عن قصد وبعضهم عن جبن وبعضهم عن ضعف تصور…
ويقول العطار: (وقد أفاد القائدان من بعض رجال الوفد فوائد جمة فقد وقفا بدهائهما أو على الدقة بدهاء خالد لأن سلطانا لم يكن فيه شئ من الدهاء على حالة علي وحكومته الجديدة وعلى الحياة في جدة وعرفا الموالين للحسين وأبنائه كما عرفا المناوئين: واسرع القائدان وبعثا إلى قناصل الدول الاجنبية بجدة خطابا يسألانهم عن موقفهم حيال الحرب الحجازية النجدية 1 فأجابوهما بكتاب في 6 ربيع الثاني هذا نصه: “جدة في 4 نوفمبر 1924 م”
إلى خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد
” بعد الاحترام، وصلنا كتابكما ولا يخفاكما أن حكوماتنا ملتزمة الحياد التام في الحرب القائمة بين نجد والحجاز وعلى ذلك فنحن محايدون ولا يمكنا التدخل بأي وجه كان فيه الخصام، ولقد أخذنا علما بتصريحكما بأن ليس لكما نظر في رعايانا ونؤيد مضمون كتابنا الأول المختص بهم والسلام”.
ووقعه معتمد قنصل “جلالة ملك بريطانيا العظمى” والقنصل العام “لجلالة” ملك ايطاليا ووكيل قنصل . الجمهورية الفرنسية ونائب قنصل “جلالة” ملكة هولندا، ووكيل قنصل “جلالة” شاه ايران
وللتاريخ بقية …..
يتبع=====